facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أنا وساجدة والمطر


ماهر ابو طير
21-08-2007 03:00 AM

اشرقت شمس الاحد ، قبل يومين ، وما زلت اتقلب في فراشي ، اهرب من موت يومي ، يستمر لساعات ، الى كل الغرف ، ابحث عنها ، اطرق البوابات الصغيرة في قلبي ، والكبيرة ايضا ، فإبنتي "ساجدة" ليست هنا ، ولن اوصلها الى المدرسة صبيحة الاحد.

عادت بي الذاكرة الى يومها الاول في المدرسة ، حين تورد وجهها كحديقة ، بعد ان قبلتها مديرتها انذاك في المدرسة ، والى تلك السنوات ، التي مضت ، كنت ادخل الى فصلها الدراسي ، اجدها متأملة في الدنيا ، وفي انتظاري ، لاعيدها الى البيت ، لم تكن ترسم على وجهها سوى ابتسامة ، ابتسامة الصبر الغريب ، صبر القانتات ، اضمها ، كما غيمة تعانق الشمس ، فيتبدد همي وغمي امام الضياء المنبعث من قلبها الصغير.
كل صباح ، اكاد استيقظ في السادسة والنصف ، لاوصلها الى مدرستها ، تتفتح عيناي ، فأتذكر انها ليست هنا ، واعود الى نومي غير آبه ، لا بيوم دراسي ولا بعام دراسي ، فقد تساوت الايام ، حتى قلمها الصغير الوردي ، سرقته من حقيبتها ، وما زال معي ، عقيقة حظ ، غير اني اسأل أي حظ هذا هو يبقى ، بعد ان تسرق الايام قلبك ، تودعه تحت التراب.

زرت مرقدها ، لاسألها.. هل تحبين ان تذهبي الى المدرسة ، فما وجدت الا فراشا جميلا فوق قبرها ، وقد كانت تعشق الفراش ، غير انني والله العظيم كدت اخذ معي حقيبتها المدرسية ، معي لاوقظها حتى لا يضيع عليها الباص ، او اوصلها بنفسي كما كانت تريد.

من يفقدون ابناءهم ، تمر كل التواقيت عليهم مرة صعبة قاسية ، تأتيك طيف من رحلت ، عند المدارس ، وفي صيام رمضان وفي الاعياد ، حتى اكاد امسك الهواء ، بحثا عنها ، تأسرني ضحكتها المدوية التي كنت تكسر بها مرضها وتهز ارجاء المنزل وكأنها ضحكات لعشرة اطفال معا ، وما زالت ترن في وجداني تلك الضحكات ، ايه.. يا ساجدة ، سرقك التراب مني ، بصمته وسكوته ، فأعود من عندها بحقيبة وبضع ذكريات.

لا افهم ما يقال عن الصبر والسلوان ، وافهم ما يقال ان لابنتك ربا ، هو صاحبها وربها ، استردها متى شاء ، لا انازعه ملكا ، ولا اقدر على هذا ، غير ان كل الكلمات ، تسألني عنها ، كل الوجوه ، كل المدارس ، اطرق بواباتها ، بحثا عنها ، فقد تكون قد تسجلت في مدرسة اخرى ، لا اعرفها ، حتى كأن عمري قد صار عبئا ثقيلا علي ، حين تداهم الايام الطفولة ويسرق المرض الممتد عبر احد عشر عاما ، يسرق قلبك ، ويزرع مكانه الفراغ.

مثل هذه الايام ، كنت انا وساجدة وحقيبتها ، على باب مدرستها ، وفي المكتبة القريبة ، لا.. اترك قرطاسية ولا قلما ملونا ، الا وكنت اشتريه لها ، حتى الطير المغرد والحمام البري الذي كانت "ساجدة" تجمعه في حديقة المنزل بنثرها لحبوب القمح كل صباح ، ما زال يأتي ، وما زلت انثر القمح باسمها كل صباح قبل الخروج ، فيعود الحمام البري بهديله كل فجر ، يئن قلبي من صوته ، وكأنه يسألني عنها ، فلا اجيب الا بموتي كل ليلة لساعات ، نسميها نوما واراحة.

رحلت "ساجدة" وتركتني في اليوم الاول للمدرسة وحيدا ، حقيبتها معي واقلامها ، وزينة شعرها الذهبي ، اقف عند كل بوابات المدارس ابحث عنها فلا اجدها ، فأعود من حيث جئت ، وكل الحبر لا يكفي لتلك الكلمات.
رحلت في يوم ممطر ، وما حييت صار عندي خوف من المطر ، وما زالت دقات المطر على نافذة قلبي ، تبكيني ، وما زلنا على باب شتاء جديد ، يأتيني ايضا ، ليذكرني بفرحها الشديد والمطر يتساقط على زجاج السيارة وهي عائدة من المدرسة ، حتى رحلت في يوم ممطر ، وتركتني عند بوابات المدارس ابحث عنها ، فلا تأتي ولا يأتي المطر.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :