اتيحت لي فرصة زيارة سيؤول عاصمة كوريا الجنوبية نهاية الشهر الماضي لحضور دورة تدريبية دولية ، شكلت السبب الكافي للوقوف مليا عند مرجعية ( الانطباع ) المأخوذة عن هذه الدولة الاسيوية الرائعة ، ومحاولة اسقاطها على واقع معاش مجسدا بهذه الفرصة التي اتاحت لي المجال للتواجد على ارض دولة طالما بهرت العالم بحكاياتها وانجازاتها الحضارية بابعادها الصناعية والاقتصادية والانتاجية العظيمة. وربما لا يحتاج المرء لاكثر من مجرد ان تطأ قدماه ارض مطارها الضخم .. مطار انشون الدولي المصنف كافضل مطارات العالم لخمس سنوات متتالية ، ليبدأ يتعايش ويشعر بنفحات هذا الانبهار العظيم وهو يشاهد حجم المطار وتصميمه ونوعية الخدمات والتسهيلات المتوفرة فيه من بوابات وكاونترات ووسائل راحة وتسلية وتسوق وحركة طائرات ومسافرين نشطة ومكثفة ، حتى اذا ما قررت التوجه من المطار الى اي منطقة من المناطق الكورية وجدت نفسك امام شبكة مواصلات متنوعة وعلى درجة عالية من التميز والابداع انجزتها ايادي كورية ما عرفت المستحيل وطالما طوعت الظروف والتحديات متسلحة بعزيمة لا تلين وبارادة بشرية حديدية ، مؤمنة بقدرتها على عمل وتصنيع اي شيء طالما ان هناك بشرا استطاعوا عمله وتصنيعه ، شعارها في ذلكlets do it in korea . وذلك تفعيلا لرؤيتها في ادارة شؤونها الحياتية استنادا الى قاعدة عملية وواقعية تؤكد على اهمية ان تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع . ما يفسر تحول كوريا الجنوبية الى دولة صناعية من طراز رفيع ، ومن النادر ان تجد فيها اشياء او صناعات ليست كورية . بدليل ان اكثر من 98% من السيارات التي تجوب شوارعها صناعة محلية خالصة . دون ان نغفل اهتمام الكوريين بثقافتهم وحضارتهم وتعريف العالم بعاداتهم وتقاليدهم والترويج للصناعة السياحية في بلادهم عبر التركيز على اهمية موقع كوريا الجغرافي بطبيعته الخلابة وتضاريسه الجذابة من جبال وانهار وشواطىء ومسطحات خضراء الى جانب المواقع التاريخية والاثرية الضاربة جذورها في عمق التاريخ والمتاحف ونهضتها العمرانية التي تجسد لوحة معمارية رائعة ، حتى اذا ما هل الليل سحرتك بجمالها وقد شقت الانوار الساطعة عتمتها .
ولأن الانسان الكوري مقتنع تماما باهمية دوره في نهضة بلاده وتطورها وتقدمها حتى غدت رقما صعبا في منظومة الدول الصناعية المتقدمة ، فسرعان ما يشعرك بعظم المسؤولية الملقاة عليه في ترويج صورة بلاده الحضارية بكل ما تحمله من قيم واخلاق ومبادىء انسانية عبر محطات سلوكية مختلفة تجعلك تشعر بانك محط اهتمامه وترحيبه وقد غمرك بابتسامة او لفته ترحيبة تركتك تعيش الانطباع الايجابي المحفور في ذهنك عن هذا الشخص وعن هذا البلد على ارض الواقع ، حتى اذا ما عدت الى بلدك بادرت بنقل حيثيات هذه الصورة القيمية الجميلة الى كل من صادفته وتحدثت اليه عن سفرتك الى كوريا .
ان اكثر ما يلفت انتباه المواطن الاردني خلال تواجده على الاراضي الكورية ، المكانة الطيبة والسمعة العطرة التي يحظى بها لدى الشعب الكوري الذي يكن لبلدنا وقيادتنا الهاشمية الملهمة الاحترام والتقدير . فبمجرد ان يعرف المواطن الكوري انك من الاردن وتحمل الهوية الاردنية حتى ترى في عيونه وتعبيرات وجه ما يؤشر الى اعجابه ولهفته الى التعرف عليك ، ليستهل حديثه معك عن القيادة الهاشمية واعجابه بها وبمواقفها وبحضورها وبدورها في وشم مسيرة بلدنا بالاضاءات والانجازات الحضارية . وهناك شبه اجماع بين الكوريين على ان الاردن من اكثر دول المنطقة تواصلا وانفتاحا على الحضارات والثقافات الاخرى ، بطريقة جعلته من اكثر دول العالم تعليما وثقافة واستخداما للوسائل التقنية والعلمية الحديثة . دون ان نغفل اعجاب الكوريين بالمواقع التاريخية والاثرية والسياحية الاردنية كالبتراء ووادي رم والعقبة والبحر الميت وجرش والاثار الرومانية ، وكذلك بالعادات والتقاليد والاخلاق والخصال والقيم الاردنية من حسن استقبال للضيف وكرم ضيافة ونخوة وشهامة وصدق وامانة وغيرها من الصفات التي تجسد شخصية الانسان الاردني وهويته . فهنيئا لنا هذه المكانة وهذه الشهادة .. وهنيئا لنا قيادتنا الهاشمية الملهمة .