facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




فليهنأ المستعمرون


د. محمد علي عكور
28-09-2011 03:30 PM

لقد أخطأ الاستعمار الغربي في ماضي جرائمه حينما حشد الجيوش وكلّ أشكال القوة للسيطرة على بلادنا ، فقد غامر بالجند والمعدات. ولكنه لما أدرك هذا الخطأ انسحب بجيوشه ، وتمنّن على الشعوب بمنحة الاستقلال الذي ما زالت تتغنى به زورا وبهتانا ، وترقص له وكأنها مستقلة حقا .
من المعلوم أن الوطن لا يعني جغرافية بما فيها من مقومات الحياة ، بقدر ما يعني الفكر والثقافة والهوية المتماسكة تحت مظلة العقول السليمة ، التي تبحر بأبنائه إلى شواطئ الكرامة والتحضّر. ومن هذا المقياس نجد الوطن العربي جغرافية من الأرض تزخر بكل امكانات الحياة ، ولكنها ولاّدة للموت بغزارة، ولعل هذا مرجعه إلى المعتقل الفكري الذي أقامه المستعمر للعقول العربية ، والبوصلة اليابسة التي أوقفها لتكون وفق هواه ومخططاته.
وحتى يضمن ديمومة هذا المعتقل ،بل ويعزز من قبضته علينا ، اشتغل المستعمر بالأجيال والطلائع فأسهر ليله منهمكا برسم سياسات التربية والتعليم لوطننا العربي لترعاها مؤسسات دولية ، وتحظى بتغطية عالمية، وينفذها بنو يعرب بكل فخر ، إذ يظنون فيها التحضّر والرقيّ أحيانا ، وأحيانا يعلمون حقيقة خوائها ، ولكنها الخيانة القاصمة للظهر.
أودّ هنا الوقوف عند مسألة محورية في مسيرة الأمة ، تلك هي التعليم الذي خضع لعمليات جراحية متلونة وعشوائية بقصدية جعلت منه مادة للسخرية ، وفضحته مخرجاته في كثير من الشواهد. وجميعنا يؤمن أن رسالة التعليم لا تنفك ركنا ركينا من رسالة الأمة في هذا الوجود، فليس التعليم اكتساب مهارة أو معرفة في أي حقل بقدر ما هو بناء للشخصية العربية المسلمة .
وإذا كان الأمر كذلك فإن ما يقلقنا في التعليم تلك المنهجية في تغريب الأجيال عن دينها وحضارتها ومرتكزاتها القومية، ومن ذلك ما نشاهده في رقاع الوطن العربي من انتشار المدارس (العالمية) التي تدرّس وفق المنهاج الأمريكي والبريطاني وغيره .فإذا دخلتها أيقنت بخروجك من العالم العربي، وأنك في ردهة ردهات لندن أو نيويورك، - ولكن على تخلـّف ممسوخ- . والمؤلم في الأمر أن هذه المدارس تأخذ مكانة رفيعة عند كثير من الناس بوصفها مظهرا من مظاهر الرقي والتحضر . وأيّ رقي هذا ، وأي تحضّر هذا الذي يسلخ الجيل من لغته وتراثه ودينه؟ أي تحضر ذلك الذي يحوّلنا إلى أعجمية غبية مقلدة من غير فهم لما تقلد.
صحيحٌ أن تعلّم كل اللغات مطلبٌ حضاري لأية أمة ، لكن أن لا يكون هذا على حساب لغتنا التي حوَت ديننا وحضارتنا وسطـّرنا بها قلائد الرفعة على مرّ التاريخ. فهل تعلـّم ساداتنا وكبراؤنا وعلماؤنا الذين أهدوا إلينا انتصاراتهم ونتاجهم العلمي ، هل تعلّموا في مدارس أمريكية وبريطانية ؟ لماذا نتهافت على موائد غيرنا ولدينا أرفع الموائد ؟ هل سمعتم في أمريكا أن الناس يتهافتون على مدارس تعلّم وفق النظام العربي وباللغة العربية؟ لماذا أصبحنا نفاخر بتافه غيرنا ونرمي جواهرنا ليسرقها الغرب ويجعلها سدة تطلعاته؟ أين كانت أوروبا وأمريكا حين كنا كعبة العلم والثقافة ؟ أين كانت المناهج الأمريكية والبريطانية حين كان التلاميذ في الكتاتيب علماء موسوعيين أعلى من مستوياتنا في الدراسات العليا ؟ .
لا يجد المرء جوابا عن هذه الأسئلة سوى الاعتراف بأن أجندة الاستعمار تنفذها الأيادي العربية والطبقات التي تهيمن على الإعلام الثقافي ، التي تجرّ الشعوب إلى الهاوية ، والتي تخرجت من مدرسة طه حسين الذي قال في كتابه " مستقبل الثقافة في مصر " : يجب علينا أن نقرأ تاريخنا بعيون غربية ، وأن ننحو نحوهم لنكون مثلهم" .!! . إن هذا ما تقرّ به عيون الاستعمار، لأن بني جلدتنا من المثقفين نابوا عنه بحمل المعاول ، واشتغلوا بتغريب الجيل ، وعليه فليهنأ المستعمرون لأننا نخلص لمشاريعهم أكثر منهم ، لأنهم جعلوا الاستعمار لعنة عليهم ، أما نحن فقد جعلنا التغريب والانسلاخ والانبطاح في حضن ذابحينا حضارة وتقدما وانجازا عظيما .





  • 1 بلال طاهات- االرياض 28-09-2011 | 04:01 PM

    مقال رائع والى الامام دكتور محمد

  • 2 فاضل الشياب - الدمام 28-09-2011 | 04:09 PM

    الله يعطيك العافية يا دكتور على هذا المقال الرائع واتمنى لك التوفيق والى الامام انشاء الله

  • 3 ابو حسن 28-09-2011 | 07:48 PM

    سلمت يا دكتور محمد لقد اصبت عين الحقيقه حيث اصبحت ثقافه الغير مفروضه عليناوصرنا ننسلخ من هويتنا وثقافتنا وديننا العظيمتان شيئا فشيئا

  • 4 رائد الشياب 28-09-2011 | 10:14 PM

    دكتور محمد بارك الله فيك وجزاك عنا كل خير ولكن للأسف الشديد فإن هذه المدارس من الناحية العلمية اقوى وتخرج طلاب متمكنين في الرياضيات والعلوم واللغة الانجليزية وهي -آسفين- لغة العلم لمن اراد ان يواصل دراسته والكتب العلمية مشروحة بطريقة لا تجدها في امهات الكتب المترجمة
    بيد ان الاسباب التي ذكرت اوصلتنا الى هذه الحقيقة المرة لنتجرعها بلا حول منا ولا قوة ....

  • 5 عقله 28-09-2011 | 11:33 PM

    ياسلام شي حلو يا دكتور شي مرتب ولعت

  • 6 د. خالد 29-09-2011 | 11:39 AM

    هذا الكلام في الصميم. هذه رؤية مثقف بارع شكرا دكتور عكور أنت رائع حقا

  • 7 م.محمد خير عكور 29-09-2011 | 12:58 PM

    احسنت دكتور محمد بطرحك هذا الموضوع وعلى اختلاف قد يكون بينك وبين بعض او كثير من القراء المهم ان الذي تتحدث عنه هو ما يسمى الرجوع الى المعادلة البسيطة في فهم المسألة وهي هنا (اي المسألة)لماذا نحن في مازلنا في ذيل القافلة الحضارية في حين نمتلك كل عناصر التفوق و التقدم؟ اوافقك الرأي ان حالة الاستلاب والاستخذاء التي يعيشها كثير من صناع القرار و الرأي في بلادنا بالاضافة الى كثير من الافراد هي جذر المسألةوبحلها فان خطوة عظيمة تكون قد حصلت نحو اللحاق بمكاننا الذي نستحقه كأمة.

  • 8 زياد الطاهات-مستشفى الملك عبدالله المؤسس 29-09-2011 | 01:52 PM

    عرفتك شاباً طموحاً ولقد افضت وافدت وبارك الله بالعقول المستنيرة الواعية امثالك

  • 9 د. خالد الشمري- السعودية 29-09-2011 | 02:24 PM

    هذا مقال في صميم وجعنا نحن لسنا بحاجة الى التحليلات السياسية والإعلام المشغول عن ثوابت الامة . نحن نريد مثقفين تنويريين مثل هذا الدكتور العكور ليضعوا ايديهم على الجرح العميق حيث قضية التعليم للأجيال اخطر من أي شيء آخر لأنهم ببساطة هم الأمة ومستقبلها . شكرا للمفكر العكور ولكم يا عمون

  • 10 الدمام -السعودية 29-09-2011 | 02:26 PM

    شكرا على الكلام العالمي الرائع هذا موقف العلماء والاحرار

  • 11 أم احمد الدوسري 29-09-2011 | 02:56 PM

    كلام بلغاء ونحن بحاجة اليكم لتحرروا الاجيال من ضياعها وتقولوا الحقيقة بارك الله في مجهودكم ووفقكم للخير دوما

  • 12 غير صحيح 29-09-2011 | 03:10 PM

    نعتذر

  • 13 معلم في هذه المدارس 29-09-2011 | 03:15 PM

    التعليم فيها شبه تعليم فقط برستيج ورطانة بالانجليزي وشباب وبنات لا يعرفوا سوى البلاك بيري واليوتيوب والمغازين اللندنية والصرعات في هوليود . كلامك يا افندم غاية في الحق واتشكرك على موقفك الشجاع واتمنى ان ينفع الله بك الامة


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :