عمون – يعد مالك بن الريب، آخر الصعاليك العرب، وصاحب المرثية الوحيدة، شبه مجهول في التاريخ العربي، بدليل أن كل ما كتب عنه في الشبكة العنكبوتية لا يتجاوز الصفحة الواحدة، لكن الكاتب الأردني د.صالح الشورة كتب عنه مسلسلا كاملا، يعمل المركز العربي للإنتاج الفني على إنتاجه هذه الأيام ليتم عرضه في شهر رمضان المقبل.

صحفيون زاروا القرية الفنية في منطقة الكفرين بالأغوار الأردنية المحاذية لسد الكفرين، والتقوا عددا من المعنيين بالمسلسل، وكانت الحصيلة كالتالي: ما أن دخلنا القرية الفنية الواقعة في قبل الأغوار الأردنية الحارة صباح الأحد الماضي، حتى زكمت أنوفنا رائحة الدخان المنبعثة من المواقد التي يصنع عليها الشاي والقهوة، ورأينا الجمال والخيول مربوطة في ساحات القرية، وكذلك النخيل الذي تم جلبه من البصرة، وكانت إحدى الكاميرات تدور على سكة دائرية لتصوير أحد المشاهد.

كانت الساحة تعج بالحركة نظرا لعدد الكادر العامل في المسلسل، فهذا كهل وذاك شاب، وتانك عجوز وهذه شابة، وبعضهم يحمل السيف، والكاميرات تراها في كل الأمكنة وكذلك المواقد ودلال القهوة، وكان وصولنا إلى القرية في نفس موعد تصوير مشهد موت مالك حيث تتخيل أمه "نادرة عمران" مع أبيه "نبيل المشيني" موت إبنهما "ياسر المصري".

أخذونا على الفور وحفاظا على سير العمل، إلى أحد المجالس وهو بيت من الجبسون المغطى بالطين، شأنه شأن بيوت القرية، وكان مزينا من الداخل بالتحف الشرقية والبسط وأعمال النسيج اليدوي، وأصوات توجيهات التصوير تصم الآذان، الأمر الذي فرض الصمت على القرية بأكملها، لكن بعض المنغصات الصوتية مثل هدير سيارة في المحيط أو صوت أحدهم في القرية كان يعطل التصوير ويعيد المشهد.

كانت حركتنا محسوبة بدقة كي لا تتعارض مع أوامر التصوير، ولذلك طلبوا منا التحول إلى مجلس آخر أكثر رحابة من الأول، من أجل إجراء حوارات مع بعض المعنيين بالمسلسل .
الرئيس التنفيذي طلال عدنان عواملة قال إن تقديم مسلسل "مالك بن الريب" إلى المشاهد العربي يأتي في سياق خطة "المركز العربي" الإنتاجية التي تتضمن سلسلة من الأعمال تتناول سيرة حياة أشهر الصعاليك العرب.

العواملة أكد وضع أحدث الإمكانيات الإنتاجية بين يدي فريق العمل، بهدف تقديم صورة تخطف الأبصار في العمل المنتظر بثه العام المقبل. مصممة ديكور القرية م.هالة شهاب، قالت ان المسلسل يحكي عن مرحلة تاريخية مهمة وهي نهاية عهد الخليفة عثمان بن عفان وبداية عهد حكم معاوية الصعبة، موضحة أن أهميته تكمن في في حركة الفتوحات الإسلامية بإتجاه بلاد فارس.

وقالت أن مالك بن الريب عرف في التاريخ من خلال مرثيته الوحيدة التي كانت منطلقا للعمل، مشيرة أنهم بحثوا عن المكان ووصلوا إلى نتيجة مفادها أنه من القصيم من أعمال نجد، وأنه شارك في بعض الفتوحات الإسلامية، كما أن البحث الإليكتروني توسع ليشمل كامل بيئته حيث بلاد فارس وخوراسان ونجد والمدينة المنورة.

المصممة ذاتها اكدت أنهم بعد قراءة النص، بدأوا مرحلة البحث التاريخي وهي الأهم، منوهة أنهم كانوا مترددين بشأن المكان حيث قيل أنه نشأ في بادية البصرة، وأن البحث إستغرق طويلا حتى نجحوا في تحديد مكان إقامة قبيلته، ووجدوا أنهم كانوا يعيشون في بيوت طينية، ولذلك تم بناء القرية الفنية في الأغوار الصحراوية الحارة من الطين، لافتة أن مالك بن الريب هو آخر الصعاليك العرب.

ولدى سؤالها عن الديكورا ت أجابت م. هالة شهاب أن الديكور يتجدد حسب البيئة، بمعنى ان البادية لها ديكورها الخاص، في حين أن ديكور مكة والمدينة ودمشق على سبيل المثال يختلف عن البادية، مشددة أنها إلتزمت بالتفاصيل الموجودة في ذلك الزمان، موضحة ان جدران المشهد المكي ملساء، وأن الأرض عليها سجاد كثير كونها كانت ملتقى عالميا.

وردا على سؤال يتعلق بشخصية مالك بن الريب أجابت أن مالك المشهور بحسن هندامه وحسن مظهره، وبين شخصية تأبط شرا، لافتة أن مالك كان دائم التوشح بالسيف حتى أثناء نومه من باب الكبرياء والفروسية، وانه كان يقطع الطريق ويعترض القوافل لمصلحة قبيلته، كما انه كان يحب زوجته كثيرا التي صبرت على فراقه لها، وأنه تزوج لمرة واحدة، لكنه لم يكتب في زوجته شعرا، مؤكدة ان العمل يمتاز بالمصداقية، وأن القرية تمثل مضارب عشيرة بني تميم قبيلة مالك.
وحول التحديات والصعوبات التي واجهتهم في العمل قالت أن درجات الحرارة المرتفة والغبار يعدان من أهم التحديات، وقالت انهم يقومون بالتصوير في أيام الحر الشديدة ليلا، لافتة أنهم يعملون على شد المشاهد بصريا، ويخططون لعرضه في شهر رمضان المقبل، كما أشارت انهم بداوا العمل بالمسلسل في الأول من شهر حزيران الماضي .

وبينت أنهم سيقومون بداية فصل الشتاء المقبل بإجراء إستمطار صناعي من أجل التصوير الشتوي، دلالة على الفرج الذي جاء قبيلته بعد مرور سبع سنوات عجاف.

بعد ذلك إنتقلنا لمشاهدة تصوير مشهد بين مالك بن الريب وأمه وأبيه، وكان الحرص شديدا على المحافظة على الهدوء في كافة انحاء القرية، ولاحظنا أن تصوير دقيقة واحد يحتاج لجهد لا تقل عن ساعة كاملة بسبب إعادة التصوير .

ومن جهته قال البطل الأردني ياسر المصري الذي يقوم بتمثيل دور مالك بن الريب، فقال أن مالك بن الريب يعني الغوص في التاريخ مؤكدا أن المتعة بحجم التعب، لافتا أنه عاش في الفترة ما بين 10 هجرية -60 هجرية،وأن هذه الفترة هي بداية التشريع الإسلامي في البادية، كما أن المسلسل يحمل الكثير من التقاليد والعادات العربية الإيجابية، مشددا أن قبيلة تميم عانت كثيرا من الإضطهاد والفقر، وانه كان فارسا صعلوكا وتأثر بالشاعر عروة بن الورد،وأنه كان يقتص من الأغنياء لصالح الفقراء، ما جعل الحكام مروان بن الحكم وزياد إبن أبيه يطاردانه ويلاحقانه . وأوضح المصري أن مالك بن الريب هرب إلى بلاد فارس وإلتقى هناك بسعيد بن عثمان بن عفان ووجد النفحة الإيمانية بداخله عند دخوله سن الخمسين، لافتا أنه قضى معظم حياته ضمن جيش سعيد بن عثمان في الفتوحات . وردا على سؤال يتعلق بكيفية تناولهم للنص أجاب أن العمل برمته عبارة عن قصة تاريخية إنسانية، وأنهم تناولها دراميا وسياسيا وليس توثيقيا، وأن علاقة مالك مع زوجته كانت جيدة، موضحا أنهم ركزوا على السيرة الإنسانية لمالك بن الريب، كما أكد أنهم تناولوا في العمل شيئا يخصنا كعرب، بمعنى أن هناك بعض الإسقاطات السياسية على ما يدور من حولنا، مشددا أنهم إبتعدوا عن الإختلافات في وجهات النظر الموجود بشأن مالك بن الريب. وقال أن مخرج المسلسل محمد لطفي سهل عليهم الدخول في الشخصيات، منوها انهم أعادوا تصوير ثلاثة مشاهد غير مناسبة، كما أن نقاشهم حاليا يتركز على تناسخ الأرواح بين الممثلين بمعنى الإلتصاق بروح الشخصية.

وبدورها قالت الفنانة مارغو حداد التي تقوم بدور زوجة مالك "ميّة"، أنها تقوم بدور الفتاة البصراوية الجميلة التي يأتيها خطاب كثيرون فترفضهم، لكنها تحب مالك بن الريب من اول نظرة، وترى فيه فارس أحلامها الذي جاء على حصانه الأبيض ليخطفها.

وأوضحت أنه جاء ليطلب يدها من أهلها لكنهم رفضوه، فتغادر البصرة بعد أحداث مع اخيها، ويلتقون صدفة مع مالك بن الريب في الطريق، ويأخذهم إلى قبيلته ويجمعهما القدر من جديد وتتزوجه على سنة الله ورسوله.

وقالت أنه وللمرة الأولى تلعب دور شخصيتين، الفتاة الشابة والمرأة الكبيرة التي تفانت من أجل زوجها وصبرت على غيابه عنها، لافتة انه غاب عنها في إحدى المرات سبع سنوات دون ان تعرف مكانه وأحواله، رغم أنها أنجبت منه طفلة أسمتها شهلا .

وأضافت أنها طلبت منه عندما تزوجها ألا يحب عليه فعاهدها على ذلك، مشددة أنها كانت تسامحه على غيابه الطويل بسبب حبها وإخلاصها له،كما اكدت ان مالك بن الريب كان يتمتع بأنانية الفارس، موضحة أن حوارات الشخصية التي كتبها المؤلف د.صالح الشورة ما تزال عالقة في ذهنها، واصفة المسلسل بأنه عمل تاريخي إنساني سياسي.

وفي السياق أكدت الفنانة مارغو أن زوجة مالك نجحت في تحويله إلى البيتوتية والتوقف عن قطع الطريق والغزو،الأمر الذي جعله يتعلق بها، مشددة أن صبرها وحزنها وإنتظارها له جعلتها تتحول إلى الصوفية، وأن ابنتها شهلا احست بها، موضحة ان موت مالك كان أهم مشهد في المسلسل، وأنهم إستقروا على انه مات مسموما.

وبدوره قال مخرج العمل محمد لطفي أن المسلسل يعد اول عمل تاريخي له،وأن المركز العربي طلب منه إخراجه بعد إعتذار أحد المخرجين، لافتا إلى أن العمل حظي بأصداء واسعة حتى وهو في مراحل كتابته. وأضاف أن وقبل ان يضع النص بين يديه، بدأ بالبحث الإليكيتروني الموسع ووجد أن كل ما كتب عنه لا يتجاوز الصفحة الواحدة، وبالتالي فإن كتابة النص جرت بالإستعانة بالخيال وبأسلوب هوليودي قصير بعيدا عن النمطية، لافتا إلى أن المشاهد القصيرة تناسب الشخصية خاصة وأننا في زمن السرعة. وبين المخرج لطفي ان الكاتب وضع مالك في الأحداث التاريخية التي أعطته قيمة مضافة وهي مقتل الخليفة عثمان بن عفان وتبعات ذلك على الحياة السياسية آنذاك.

وأوضح أن مالك بن الريب كان آخر الصعاليك العرب وان إشتغاله بالصعلقة كان بسبب إنشغال الدولة الإسلامية آنذاك بتثبيت نفسها، لافتا أن الكاتب استغل علاقة مالك بن الريب مع كل من زياد بن أبيه ومعاوية، واصفا مالك بأنه روبن هود العرب، وأن لديه رؤية وفلسفة حقيقية للأشياء.

وختم المخرج لطفي أن قريبا سيدخلون في مرحلة المعارك والزحف وانهم سيستعينون بالغرافيك بسبب كثرة عدد الجنود والخيول، مبينا انهم استعانوا بفريق تجميل إيراني بريطاني فرنسي مشترك .