نحن في ظرف حساس ودقيق , والأزمة عندنا ومن حولنا تشتد , وعيون الذئاب تطل من كل الإتجاهات , والمعلومات والإشاعات صحيحها وكاذبها تملأ الأرجاء , والصالح والطالح صارا سيان , وحياتنا صارت ملآى بالجدل الذي يبدأ وينتهي ليبدأ من جديد ودونما وازع من ضمير أو حتى تقوى , وكلنا نشخص الداء ونصف الدواء , والأمور تختلط على نحو يحير كل حليم , ومع ذلك , نعم ومع كل ذلك , فالحكمة ما زالت بعيدة المنال عنا , في زمن نحن أحوج ما نكون فيه الى شيء من حكمة وتعقل وإتزان , خاصة وقد جنح العتب وربما الغضب ببعضنا نحو آفاق غريبة عنا في السلوك والقول والإدعاء , وغدا بلدنا المسكين المغلوب على أمره , مادة شهية تتناولها الفضائيات والأقلام والأبواق على إمتداد الإقليم وأحيانا العالم الأرحب , ولكن بغير ما نريد ونتمنى , فهو في نظر الرويبضات وتوافه العصر مرشح للإنهيار في أية لحظه , والمحرمات فيه لم تعد محرمات , ومؤسساته كافة صارت مشوهة بفعل فاعلين , ورموزه صاروا كذلك وبفعل الفاعلين ذاتهم , ثم نفتقر الى شيء من صحوة وإدراك وحكمة وتعقل وإتزان , أو على الأقل بعض من إيمان حقيقي يحفزنا على الرفق ببلدنا وبدولتنا التي نسعد بجلدها في كل لحظه , دون أن يرف لنا جفن , وكأن الأردن المسكين المغلوب على أمره , وطن مارق ناكر لا يستحق الرأفة حتى من أهله , ولا حول ولا قوة الا بالله !!.

هي دعوة لا مراء ولا نفاق فيها بإذن الله , لكل أولئك الحكماء العقلاء الذين يغيب عن بالهم هذا الأوان أن كل شيء في هذا الكون الى زوال , وأن أحدا لن يفلت من عقاب الرب سبحانه , إن هو أفلت من عقاب الناس , وأن الله جلت قدرته بالمرصاد , لأن يجربوا ممارسة الحكمة والتعقل في مخاطبة الواقع المر الذي نعيش , ومنهم رجال طيبون لا يمكن أن أتصور أو أصدق للحظة أنهم أعداء للوطن , ومنهم كذلك رجال يعرفون الله حق معرفته , وقد إنخرطوا في تنظيمات دينية ولكن غلبوا فيها السياسة على سائر شؤونها , ولا أتصور أو أصدق للحظة كذلك أنهم أعداء للوطن .

هذا الأردن مجرد نقطة في محيط كوني عظيم , ومهما كانت مشكلاته وأزماته , فهي في نظر الكبار دينا وخلقا ورجوله , لا شيء يذكر أبدا أمام عزيمة المخلصين الأنقياء الأتقياء , القادرين على توظيف الحكمة والعقل والإخلاص , سبيلا للخروج من الأزمة , وطريقا نحو المستقبل الأرحب بإذن الله , وسدا في وجه الشر أنى كان مصدره , وقوة في مواجهة التحدي أيا كان شكله !.

وهذا الاردن أمانة في أعناق الجميع وبلا إستثناء لأحد , والأمانة غالية حملها الانسان ونكصت دونها السموات والأرض , وفي هذا تأكيد على قدرة الرجال الشرفاء الكبار في نفوسهم المترفعين عن الأحقاد والصغائر وعرض الدنيا الزائل , على حمل الامانة حقا والإخلاص لها وأدائها بشرف وأمانة , ولن يعدم الأردن أبدا رجالا طيبين شرفاء يعرفون الله عن قرب لا عن بعد , ويدركون أن واجبهم الديني والأخلاقي والإنساني يفرض عليهم فرضا قويا , قوامه حب الأردن والإخلاص الصادق المنزه في إنتشاله من أزماته , والوقوف صفا شريفا منيعا مع دولته وقيادته لبلوغ هذا الهدف العزيز , بعيدا عن التذمر والإدعاء والملامة والشماتة , وما كانت يوما من سجايا الشرفاء الأتقياء الذين يخافون الله جل في علاه , وهو من وراء القصد.