قرأنا وسمعنا خلال الأيام الماضية سيولا من المقالات والتعليقات والأحاديث الجانبية تحاكي السيول التي أغرقت ميادين وشوارع العاصمة ومدنا أخرى و تضمنت شكاوى وتذمرا من العجز الهائل للبنية التحتية للشوارع ومصارف المياه ، وكل ما قيل صحيح ولكن هل وضع أحد ما يده على الجرح القديم والسبب المقيم فيما تعانيه العاصمة الجميلة التي هرمت سريعا وشحب وجهها ؟

منذ سنوات كتبنا وحذرنا من « الفنتازيا» التي اعتمدتها إدارات أمانة عمان الكبرى السابقة ، حيث كان التخطيط لمدينة تسبح في الهواء وفوق السحاب ، مدينة ليست كأي مدينة بل هي كوكب جار للقمر ، فوق ، فوق ، لا للمدينة التي نعرفها كلنا ، مدينة الأودية والجبال والطرق المتعرجة وسلالم الأحياء الدافئة متشابكة الأكتاف التي تنحدر رويدا رويدا من أعالي جبالها نحو سوق مدينتها القديم ، وللأسف جاءوا كي ينزعوا عن هذه المدينة عباءة وقارها التاريخي وانشغلوا بالخيال والموسيقى والمراكز الثقافية ولم ينظروا تحت أقدامهم حيث يمشي الناس ، فلم تجر أي إصلاحات أو حتى تجديد للشوارع ، ومنحت التراخيص للبناء العشوائي ليعتدى على الشوارع الكبرى .

لقد تم التوسع في منح التراخيص للبناء على مجاري السيول والأودية ولم يتركوا للأرض أوردة كانت تصرف فيها مياه الأمطار بشكل طبيعي ، فتم طمر كثير من مجاري السيول وصنع « عبارات صندوقية « اسمنتية في أكبر مجرى للتصريف غرب عمان وهو وادي عبدون الشمالي ، وفي الوسط حيث وادي صقرة والأسم المشهور للأخير يدل بأنه كان مجرى للسيل ، قبل السطو التخطيطي عليه ، فوادي عبدون يلتف من جبل صويلح باتجاه الدوار الثامن ثم حجار النوابلسة فوادي عبدون وصقرة من « رابية السلطية « ومغاريب الشميساني نحو وسط البلد ، وكلها تصب في سيل عمان ثم سيل الزرقاء باتجاه سد الملك طلال ، فأين تلك الانهار الشتوية ؟

أما ما حدث في المحافظات فهو مسؤولية البلديات التي انفقت كل ما تملك لبناء شوارع دون اسناد لتصريف المياه ، ثم باتت مديونة لأن التجربة أثبتت أن كثيرا من مؤسساتنا لا يمكن أن تدار بعقلية العشائرية والمناطقية والمحسوبية ويجب أن يتسلم رأس كل مؤسسة صغرت أو كبرت رجل يملك عقلا مبتكرا وكريزما قيادية ،لا يصدر قراره إلا بعد دراسة وافية وإن صدرت التعليمات تنفذ بلا لف أو دوران وأن لا تعود سيطرة شركات المقاولات ذاتها التي تسيطر على سوق العطاءات في الحكومة ثم تعطي عطاءات في الباطن لشركات لا يمكن الاعتماد عليها وهذا سبب الخراب في كثير من مناحي الخدمات وعبر الطرق والمنشآت العامة .

الموجة الثلجية والمطرية العاصفة التي أنعم الله علينا بها بعد طول انحباس أغرقت قبلنا شوارع وأنفاق مدينة بيروت ومدنا سورية وفي فلسطين التاريخية والضفة وغزة غمرتها السيول وقطعت سبل الحياة وعزلت مناطق كثيرة
عندنا والحمدلله أظهر الأردنيون شمائلهم الطيبة وتكاتفت جهود الجميع لتقديم المساعدة وكان «النشامى» بنسختهم الأصلية على قدر الأمل فيهم ، فأبناء جهاز الدفاع المدني الذين اعتادوا على سنين طويلة من الخدمة الطوعية للمواطن دون مقابل حاضرون على مدار الساعةوجهاز الأمن العام قام بدوره على أتم وجه ، ودخلت على الخط وحدات من الجيش في مختلف المحافظات ، فكانت خلية العمل قوة إسناد للمواطن ، ولطواقم أمانة عمان التي شاركت شخصيا مجموعة منهم ليلا في فتح طرق تكدست الثلوج فيها وتقطعت سبل المواطنين هناك ، ولكم أن تتخيلوا مئات العاملين لم يذهبوا الى منازلهم ليومين متتاليين ، ليقوموا بواجبهم ويخدموا أهالي الأحياء البعيدة عن الشوارع الرئيسة .

لذلك يجب أن نكون دائما على قدر المسؤولية والأرث الطبيعي لهذه الأرض ولهذا الشعب وأن نتعلم كيف ندير أزمتنا مسبقا وبكل هذه الإمكانات الهائلة ، فلقد كان آباؤكم يقومون بجهد مضاعف بأقل من هذه الإمكانات والسبب أنهم لم يكونوا « يتغنوجون » عند أول شتوة أو رشة ثلج !

Royal430@hotmail.com
الرأي