خبراء وباحثون يعاينون "أزمة" البحث العلمي في الجامعات الأردنية
17-03-2013 03:29 PM
عمون - وصّف باحثون وخبراء أردنيون حالة البحث العلمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية بصورة مقلقة تطغى عليها حالة الضعف والمحدودية وضحالة البيئة المحفّزة للبحث العلمي في الجامعات الأردنية، وحذّروا من خطورة الوضع الراهن.
واقترح الباحثون جملة من التوصيات والخطوات لتغيير الوضع الراهن، جاء ذلك في مؤتمر"العلوم الإنسانية والاجتماعية في الأردن"، الذي عقده مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الثلاثاء الماضي، بالتعاون مع المعهد البريطاني في عمان.
بدأت فعاليات المؤتمر بجلسة افتتاحية، قدّم فيها الدكتور موسى شتيوي كلمة مركز الدراسات الاستراتيجية الترحيبية، ثم كلمة المعهد البريطاني في عمان، قدمتها الدكتورة كارول بالمر، مديرة المعهد، وتلتهما كلمة الجامعة الأردنية للأستاذ الدكتور هاني الضمور، نائب الرئيس لشؤون الكليات الإنسانية، راعي المؤتمر.
شارك في الجلسة الأولى بعنوان: البحوث الاجتماعية في الأردن: نظرة عامة، كل من: الأستاذ الدكتور علي محافظة، من قسم التاريخ في الجامعة الأردنية، والأستاذ الدكتور وليد عبد الحي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك، والأستاذ الدكتور مجد الدين خمش، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، والدكتورة لوسين تامينان، من قسم الأنثروبولوجيا في المعهد الأميركي الأكاديمي بالعراق، والدكتورة عبير دبابنة، من مركز دراسات المرأة في الجامعة الأردنية، وترأس الجلسة الدكتور موسى شتيوي، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية.
أشاد د. محافظة بعقد هكذا ندوات، كونها تمثل أول محاولة أردنية لدراسة العلوم الاجتماعية والانسانية دراسة علمية حقيقية، وأشار إلى أنه، منذ تأسيس الجامعة الأردنية، أصبحت هناك دراسات وأبحاث وذلك لأن البحث العلمي أصبح إجباريا لترقية عضو هيئة التدريس.
واعتبر محافظة أن كتابة تاريخ الأردن توزعت على ثلاثة اقسام، وهي ما كتبه الاجانب عن الاردن في مذكراتهم، مثل: الإنجليز، والفرنسيين، والالمان، والأميركيين، وما كتبه العرب عن الأردن، وما كتبه الأردنيون عن تاريخ الأردن، إلا أنه ومع الأسف لم يلتزم بقواعد البحث العلمي، ولا أصول الكتابة التاريخية بل كان على شكل أدب رحلات. وأشار إلى أن البحث العلمي في مجال التاريخ بحاجة إلى طلبة مميزين قادرين على الكتابة بمستوى عال من الحرفية، ومبيناً ضعف مستوى الطلبة في مجال الأبحاث التاريخية.
الدكتور وليد عبد الحي، استهل ورقته المعنونة بـ: حالة العلوم السياسية في الجامعات الأردنية، بوضع الحضور أمام مقدمة تتحدث عن نشأة وتطور علم السياسة، باعتباره علماً حديثاً في العالم العربي، في العام 1949 في الجزائر.
قال عبد الحي إن وضع العلوم السياسية في الجامعات يتأثر بالبيئة، وهذا ينعكس على المدرس، المدرس خريج العالم العربي – فرنسا – وألمانيا، والتخصص أثر في بيئة الخطة الدراسية، والمفروض أنها تثري، لكنها في الحقيقة هي لا تثري. فالذي يؤثر في العلوم السياسية مسائل عدة، أهمها: الإرث الحضاري – الإسلامي العربي؛ والأوضاع الداخلية للدولة؛ والإرث التعليمي للأساتذة.
واعتبر عبد الحي أن المراجع، وهي أمر غاية في الأهمية في إثراء العلوم الاجتماعية والإنسانية، لكن الحاصل هنا، هو أن الباحث أو الطالب سيتشكل تفكيره وفقاً لتوجهات اللغة.
ويرى عبد الحي أن أكثر جوانب الحضارة الإسلامية ضعفاً هو المساهمة في الفقه السياسي والفكر السياسي، والسبب نقص المراجع، إذ إن 6% من المنشورات في الفكر السياسي او في النظم الإسلامية وأصول الحكم تؤخذ من مصدرين تراثيين.
تحدث الدكتور مجد الدين خمش في مداخلته عن واقع البحوث المتعلقة بعلم الاجتماع في الأردن، وأكد على أن الإصلاح السياسي يسير بشكل ممتاز، مع ضرورة أن ننطلق الآن إلى دراسة الجانب الاقتصادي والمجتمع الأهلي، مثل: الفقر، والبطالة، وإنتاج المعرفة في ما يتعلق بهما.
ويرى خمش أن المشكلة في الأردن ليست بإنتاج المعرفة، بل باستهلاكها، فالجامعات عززت عملية ضعف القراءة، من خلال نمط التدريس المعتمد على رصد الطالب لملاحظات المدرس، ما جعل من المراجع أمراً هامشياً في اعتماد الطالب عليها في الدراسة والبحث. فحلّ المشكلة يجب أن يصبح الكتاب المفرد والمكتبة مرجعاً يرصد له جزء من العلاقة، وهنا نحفز الطالب على البحث والقراءة.
واعتبر خمش أن محاولات ربط العلوم الاجتماعية بالحياة العملية، جاءت أولاً في السبعينيات، عبر دراسات تتعلق بالفقر والبطالة والعنف المجتمعي، ولكن يؤخذ عليها محدوديتها . ثم تأتي محاولات عن طريق مراكز الدراسات: بإصدار وعمل دراسات، وحديث مطول عن الإصلاح والتميز، وحق المرأة.
واختتم خمش حديثه بأن العلوم الاجتماعية بشكل عام، ما تزال تعيش في برج عاجي، فلم تندمج تطبيقياً بقضايا المجتمع الأردني المعاصرة بشكل كافٍ، ولم يتم التنبؤ بالربيع العربي ، ولم تعط أولوية بعد لقضايا الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وقضايا ومشكلات المجتمع المعاصرة.
جاءت مداخلة الدكتورة عبير دبابنة، الباحثة في مركز دراسات المرأة، للحديث عن وضع الدراسات النسوية في الأردن، واعتبرت أن هناك عدداً لا بأس به من الدراسات يمكن اعتبارها جيدة، ما يقدم من نظريات قد يكون بعضها تمييزياً، مشيرة إلى أن الفكر النسوي قد أضاف عليها، وحاول نقل هذه النظريات إلى قضايا نوعية اجتماعية .
وعند مراجعة نوع البحث المقدم، كما ترى دبابنة، تبين أن أغلب الدراسات كان كمياً، ومن ثم فإنه لا يخدم ذلك حقل دراسات المرأة كما يجب. فهناك أسئلة بحاجة إلى إجابة لا يتيم البحث عنها في دراسات المرأة؛ كالمرأة في التشريعات والقوانين، فهي بحاجة إلى تحديد آليات كيف، وماذا، وكيف نقوم بصياغة استراتيجيات من خلال أبحاث نوعية لان المشكلة ليست سؤال نعم ولا بل، هي كيف نجد الحلول.
واعتبرت دبابنة أن دراسات المرأة تواجه مشاكل عدة، أبرزها خصوصيات دراسات المرأة، فما يقدم من موارد تحدد أولوياتها والأولويات الوطنية لا تدخل في الحسبان، كذلك اللجوء إلى المانحين ، فالسؤال هو: من يحدد الأولويات؟ وهل ننتج معرفة، وكيف يكتب عن المرأة العربية، فالذين يكتبون هم باحثون غير عرب وهذا يثير استفهام، إضافة إلى الإحباط الذي يشعر به الباحثون، فهي (مشكلة عامة) كما ترى، متسائلة عن من يقيم أبحاثهم ؟ وما هي مؤهلاتهم؟ وما هي بيئتهم البحثية؟
الدكتورة لوسين تامينان، أكدت على أن انتاج المعرفة في المنطقة له ثلاثة مؤشرات في الشرق الأوسط، إذ إنه في استطلاع قام به المعهد الأميركي للعلوم الاجتماعية، فقد تم رصد 120 مقالة في الشرق الأوسط وأمريكا، كانت النتيجة وجود مساهمتين فقط من دول الشرق الأوسط في هذه المجلات، ما يعني أن العرب لا يساهمون بإنتاج المعرفة عن الشرق الأوسط، إنما إعادة ما هو موجود.
في ما يختص بدراسات الانثروبولوجيا، فقد كانت المنجزات العربية في هذا المجال قليلة جداً، ما يعني بأن العلوم الإنسانية والعربية لدى العرب لا تنتج معرفة، ولا تساهم في الفكر الاجتماعي، وهناك هيمنة غربية على إنتاج المعرفة الاجتماعية، لكن هذا لا يعني أنه لا توجد مدارس غردت خارج سرب هذه الهيمنة، مثل: المدارس في أميركا اللاتينية؛ والمدرسة الهندية، التي ساهمت ببناء العلوم الاجتماعية والإنسانية في العالم كافة.
في ما يختص بنوع المعرفة، فقد نوهت تامينان إلى أن العلوم الاجتماعية لدى العرب تتبع الخط والعناوين والمواضعات نفسها، فما زالت تتبع النصيحة والتعليمات في عدم كسر القالب حتى لا تتشكل الخطورة.
وأكدت تامينان على أن الأساس هو الباحث في هذه العلوم الذي يحتاج إلى وجود بيئة مساندة، مثل: المؤسسات البحثية؛ ودور النشر المتخصصة في نشر الأبحاث؛ والتأسيس لحالة من حريات الباحث الفكرية، ليفكر خارج الأطر المحددة له، كي لا يعيش في حالة من العزلة تمنع عنه إنتاج معرفي جديد في المجالات الإنسانية والاجتماعية في العلوم.
***
جاءت الجلسة الثانية من الندوة لمناقشة قضية اجراء البحوث في مختلف السياقات المؤسسية: الجامعات الحكومية، والجامعات الخاصة، ومراكز البحوث، ترأستها الدكتورة أمل الصباغ، وتحدث فيها كل من: أحمد عوض، مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية، والدكتور توفيق شومر، رئيس قسم العلوم الانسانية في جامعة فيلادلفيا، والدكتور محمد الحوراني، أستاذ علم الاجتماع في جامعة اليرموك، تلتها استراحة غداء.
أشار أحمد عوض في مطلع حديثه إلى المعضلات التي تواجه البحث العلمي، وذكر، على سبيل المثال، المادة الثامنة من قانون الاحصاءات، التي تنص على أنه يتوجب على الباحثين الميدانيين الحصول على ترخيص من دائرة الإحصاءات العامة يتضمن الموافقة على الاستبانة، والباحثين، وعنوانها.
وشدّد عوض على ضرورة تشجيع الباحثين وبخاصة أن العائد المادي من الأبحاث أقل من بقية المجالات مثل: المؤتمرات والندوات، والعمل على تطوير البيئة التشريعية للباحثين، وتعديل عدد من القوانين مثل: قانوني المطبوعات والنشر؛ والجمعيات، بحيث يمكن للباحثين تكوين مراكزهم البحثية المؤسسية بعيدا عن الفردية.
الدكتور توفيق شومر، قدم عرضاً توضيحياً لواقع العلوم الاجتماعية والإنسانية في الأردن، مستهلاً العرض بأن حال العلوم الاجتماعية والإنسانية في الأردن سيئ. وأكد أن القضية لا تتعلق بالقدرات العربية المتميزة، فالوقائع تثبت أن الكثير من الباحثين العرب يبرز تميزهم وقدراتهم البحثية جلية عندما يتم استقطابهم من المؤسسات البحثية العالمية. لكن الواقع الحالي في العالم العربي يفتقد لمؤسسات بحثية حقيقية، والجامعات العربية حديثة المنشأ، ولا تمتلك بنى تحتية مناسبة لإجراء البحوث. فالجامعات العربية تركز على التدريس بشكل خاص وعليه لا يعطى عضو هيئة التدريس المجال المناسب للبحث، فبينما تخصص الجامعات العالمية نصف وقت أعضاء هيئة التدريس للعمل البحثي، يثقل كاهل الكوادر المحلية بالنصاب التدريسي، ولا تمنح الجامعات العربية عضو هيئة التدريس المردود المالي المناسب لكي يستطيع أن يركز على عمليات البحث والتدريس، فيضطر معظم العاملين للبحث عن مصادر مالية أخرى لرفع مستواهم المعيشي.
قدّم الدكتور محمد الحوراني ورقة تحدّثت عن ضرورة إعادة النظر بما تنتجه العلوم الاجتماعية والإنسانية، عبر ثلاثة محاور، أهمها: ما الذي انتجناه ؟ وما الذي ننتجه ، وما الذي يجب أن ننتجه؟
وأكد الحوراني ضرورة تقييم ما يصدر عن الجامعات، وما يجب على الأقسام الأكاديمية لتنعكس على ذاتها ، مشيراً إلى أن هناك أقساماً سوف تسقط لو بقي الأمر على ما هو عليه. إذ لا بد من تبني خطة تقييمية تنفيذية.
واعتبر الحوراني أن الجامعات الحكومية لا تتبنى سياسة بحثية، ولا تحرض على البحث، ولا تستقطب الدعم المادي . كما أنه لا توجد ميزانية (مخصصات محددة) لدعم البحوث المقدمة من الأقسام الأكاديمية في العلوم الإنسانية، إذ إن أقسام العلوم الإنسانية لا تحظى بالدعم، كما ان الدعم في المؤسسات الأكاديمية لا يعطى للبحث بقدر ما يعطى للأشخاص، فهناك شبكات علاقات اجتماعية تحكمها، إضافة إلى البيروقراطية العالية في مسألة الدعم ونظامها المختل.
***
الجلسة أخيرة تعلقت ببحث طرق النجاح في طلبات تمويل البحوث، ترأسها الدكتور موسى شتيوي، وتحدث فيها كل من الأستاذ الدكتور خالد الفوارس، عميد البحث العلمي في الجامعة الأردنية؛ والأستاذ حسين أبو رمان من مركز القدس للدراسات السياسية.
الدكتور خالد الفوارس أكد في مداخلته، أن الأردن يعد الثالث عربياً في مجال البحث للعام 2010 في دراسة أجرتها "اليونسكو"، وفي المرتبة الثانية عربياً في ما يتعلق بالدعم المقدم للبحث العلمي، وفق الدراسة نفسها.
في ما يتعلق بدور الجامعة الأردنية في مجال تقديم الدعم للبحوث العلمية، فقد قدمت الجامعة منذ العام 2003 وحتى العام 2012 15 مليون دينار، بقيمة مقدارها 7 ملايين قدمت من جهات داخلية، و8 ملايين من جهات أخرى خارجية للتخصصات كافة.
كان مقدار الدعم الموجه للعلوم الإنسانية في هذه الفترة لا يتجاوز الـ 3000 ألف دينار من أصل 15 مليون، معتبراً أن العلوم الاجتماعية والإنسانية تحتاج لدعم ورعاية أكبر، فهناك باحثون في العالم يساهمون في القضايا العامة، مثل: الطاقة، والمياه وغيرهما من مشكلات تهم العالم أجمع.
وأكد الفوارس أنه خلال العشر سنوات الماضية، قدمت الجامعة دعماً لـ 130 بحثاً، على أسس عدة تحكمها الأنظمة والقوانين في الجامعة، مشيراً إلى أن الدعم والتسهيلات كافة موجودة لأي باحث يحتاج إلى دعم، وبوجود جائزة سنوية تقدم لأفضل بحث وأفضل باحث.
ويرى الفوارس أن هناك استراتيجية في دعم البحث في الأردن، تهدف لحل جميع المشكلات، فهناك ضرورة لتغيير استراتيجية البحث، فلا يكون الهدف من إجراء البحوث هو الترقية فقط، إنما المساهمة في إحداث تغيير وتأثير في القضايا المجتمعية على وجه الخصوص.
أما المداخلة التي قدّمها حسين أبو رمان، فقد أشارت إلى حصة الأردن من الدعم الدولي المقدم للمشاريع التي تعد قليلة نسبياً، وأنه من واجب الدول والجهات المانحة أن تزيد من ذلك الدعم كي يتم التركيز والعمل بنجاح على مشاريع تتعلق بأولوياتنا في المجتمع الأردني.
واختتمت الندوة أعمالها بجلسة ختامية، شكر فيها الدكتور موسى شتيوي، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية، الجامعة الأردنية والمعهد البريطاني في عمان، لمساهمتهما في عقد هذه الندوة، مؤكداً ضرورة أن تواصل هذه الندوة، مشاريعها القادمة للمضي قدّماً بالعلوم الاجتماعية والإنسانية في الأردن.