facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




الإشراف الأكاديمي


د.زياد خليل الدغامين
22-04-2014 11:45 AM

أمانة العلم أشرف وأعظم أمانة، وما تقدمت الأمم وما ارتقت إلا بالعلم، وما كانت الأمة المسلمة لترقى بدون الأخذ من العلم بحظ وافر، وبناء الإنسان أعظم من تشييد البنيان، وكل طالب من طلبة العلم هو مشروع عالم، وهو – إذا أحسن اختياره وفق أسس علمية موضوعية - ثروة وطنية، وذخيرة لا تنهض الأمة إلا بها. ويعدّ طلبة الدراسات العليا –على وجه الخصوص- ضمان تواصل الأجيال في حفظ العلم وحمله؛ ليكون السلم الذي ترتقي به الأمة نحو العلى، فعملية بنائهم وتأهيلهم تعدّ ضرورة حياتية، بل واجب وطني تمليه مستلزمات السعي نحو النهضة والرقي والتقدّم.

والإشراف الأكاديمي على طلبة الدراسات العليا إحدى وسائل التأهيل المهمة في عملية بناء الطالب علمياً، نظراً لما تتيحه علمية الإشراف من لقاء متواصل مع المشرف، لقاء عن كثب، يعرف من خلاله حقيقة المستوى العلمي للطالب، وعوامل القوّة والضعف في تفكيره العلمي ومنهجه البحثي، فيتمكن من الأخذ بيده، ووضعه على الطريق الصحيح في ما يقوم به من بحث علمي ينبغي أن يكون هادفاً.

وتقتضي الأعراف الجامعية أن يقضي طالب الدراسات العليا ساعة من كل أسبوع للاستماع لتوجيهات مشرفه الأمين على رسالة العلم! وهي ساعة ليس الهدف منها قراءة ما كتب الطالب، بل توجيه الطالب بعد القراءة، مما يعني أن الطالب يحق أن تقرأ له وتوجهه بأكثر من تلك الساعة أسبوعيا. وساعة المناقشة ساعة يرتقي فيها الطالب سلّم المعرفة، يحاول أن يستفيد من مشرفه الذي يصوّب لغته وأسلوبه وأفكاره ومنهجه في البحث، يتدارس معه حصيلة ساعات من البحث والكتابة... يعرّف الطالب بصوابه إن أصاب، وبخطئه إن أخطأ، يعرفه كيف يتبنى رأياً، وكيف يجتهد في قضية من القضايا، يراقب تجاربه ونتائجه، ويتابع اقتباساته ونقوله، ويدقق على حسن فهمه واستيعابه لكلام الآخرين، يطوّر أفكار رسالته، ويفتح له آفاقا معرفية ... ويمكّنه من وسائل البحث ومناهجه فهما وتطبيقا، بل يرقى بتفكيره إلى مستواه. هذا هو الوضع الأكاديمي الصحيح لعملية الإشراف على طلبة الدراسات العليا، فهي مهمة شاقة على المشرف تأخذ منه وقتاً ليس باليسير، وينبغي أن يحظى باهتمام بالغ من أعضاء هيئة التدريس، وإدارات الدراسات العليا في الجامعات، لأنها تمثل صناعة العقول، وصياغة منهج التفكير. إنّ مسؤولية الإشراف عظيمة لأنها تقدّم للوطن تلك الصناعة المحكمة من العقول التي تعمل بجدّ، وتفكر بإخلاص لتبني الوطن وترفعه لا أن تتسلق على ظهره، أو تفكر بابتزازه فتضربه بعصا تلك .. الشهادة .. ليكون لها بقرة حلوبا!

لكن، ما نراه في أرض الواقع بعيد كل البعد عن تحقيق تلك الأهداف والمقاصد في عملية الإرشاد والإشراف، وكثير من أعضاء هيئة التدريس – إلا ما رحم ربي – لم يدرك طبيعة المهمة التي يقوم بها، فأساء فهم عملية الإشراف وأبعادها ومقاصدها، وحسبها حسبة مادية، فلم يتجاوز الإشراف عنده كونه عبئا إضافيا يجر مكافآت مادية، بقطع النظر عما يقدمه للطالب من تأهيل وإرشاد وبناء، وإلا فكيف يقوى عضو هيئة التدريس على الإشراف على خمسة أو ستة من طلبة الدراسات العليا، وعنده نصاب تدريسي كامل بكل أعبائه وتبعاته، وتراه يدرّس ست ساعات أخرى من العمل الإضافي، ولربما يبحث عن عمل إضافي في جامعات أخرى، أضف إلى ذلك اجتماعات القسم، وإرشاد الطلبة، وبحوثه العلمية التي لا ينبغي أن تتوقف...، ولربما يكون عنده بعض المصالح والمشاريع الاستثمارية، واللقاءات التلفزيونية، واللجان الأخرى هنا أو هناك ... أضف إلى ذلك كله الواجبات الاجتماعية والأسرية، وهو عبء يفوق وقته وجهده فكيف يؤدي رسالته بحق في الإشراف على هؤلاء الطلبة !! أم أنّ التعليم قد تحول – عنده- إلى مجرد "بزنس" واستثمار!

إن بعض المشرفين يطلب من طلبته الذين يشرف عليهم أن يأتي كل منهم برسالته وأطروحته كاملة مكتوبة مطبوعة، ويمنع الطالب من مراجعته قبل ذلك، ثم يقوم هذا المشرف بتقديم رسالته للمناقشة هكذا دون أن يراجع فيها شيئاً، أو يقرأ فيها حرفا، ودون أن يطلب من الطالب إجراء أي تعديل! يسعفه في ذلك، ويتواطأ معه تلك اللجنة التي يشكلها للمناقشة ! والتي يضمن أنها ستمنح الطالب درجة الماجستير أو الدكتوراه إرضاءً له، بل مجاملة له ... ليجاملهم هو نفسه مستقبلاً!

وقد يطلب المشرف من الطالب أن يراجع فلان وفلان من زملائه يطلعهم على الرسالة كي يأخذ بملحوظاتهم ويعمل بتوجيهاتهم .. مجاملة له، وإرضاءً لخاطره !
والأدهى من هذا والأنكى، أن طالبا يخبر مشرفه بأنه لم يكتب في الرسالة شيئا، ولكن كتبت له ! ويتواطأ هذا المشرف مع الطالب ويقدم الرسالة للمناقشة، دون أي إحساس بالمسؤولية، أو شعور بأمانة العلم، فكيف يجوز أن تمرّ هذه القضية دون أن تسجل بوصفها قضية فساد، بل أخطر قضايا الفساد كلها ! وهل بعد تدمير العقول، وتضليل الأجيال من خطر يمحق الأوطان، ويذهب بقوّتها ويكرّس فيها الضعف والتخلف !
إنّ من مهام الإشراف الحقيقي وضع حدّ للمتسولين على أبواب العلم، ووضع حدّ للمتسلقين عليه كذلك، فإن وجد المشرف أن الطالب بعد التوجيه والإرشاد غير قادر على مواصلة رحلة العلم، فعليه أن لا يخدع به الوطن، ويضلل به الأمة ! أما أن يصبح شعار العلم "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن"، أي: كل من دخل الجامعة لا بد أن يحصل على شهادة ماجستير أو دكتوراه فتلك هي الكارثة .. والجناية .. وقضية الفساد التي لا ينبغي أن تغفل عنها تلك العيون الساهرة التي باتت تحرس في سبيل الله !
إنّ الإشراف الحقيقي يمحص الطلبة، ويكشف عن جدّيتهم في طلب العلم، ويميز الباحث الجادّ من غير الجادّ .. يميز بين طالب كتب رسالته بنفسه .. وآخر كتبت له، ويميز بين رسالة كتبت بهمة ونشاط .. ورسالة منحولة من ألفها إلى يائها !
لا يتسع المقام هنا لعرض حكايات وأمثلة تبرهن على انحراف الإشراف الأكاديمي عن رسالته ومقاصده، وغياب القيادات الأكاديمية أو عدم ايلائها "الإشراف" الأهمية اللازمة، تاركة ذلك إلى بعض منفصلي الضمير ليعبث كيف ما شاء ..
ولعلّه – إن أريد إصلاح هذا الخلل – أن يكون في وضع حدّ للعمل الإضافي والوصول به إلى الصفر إن على مستوى التدريس أو على مستوى الإشراف - الأسلوب الأمثل في علاج هذا الخلل، ليتفرغ الجميع في خدمة العلم والسهر على قضاياه، وتوظيف نتائجه في صالح عملية النهوض بالمجتمع على مختلف الصعد. والاستفادة ممن أحيل إلى التقاعد من أعضاء هيئة التدريس من ذوي الخبرات الواسعة والباع الطويل في الإشراف يسهم في حلّ هذه الأزمة الأكاديمية أيضاً.





  • 1 عامل سابق في جامعة آل البيت 22-04-2014 | 05:08 PM

    كيف أفهم هذا الطرح مع الحريق المتعمد لمكتب الدكتور زياد عندما كان عميدا لكلية الدراسات الفقهية والقانونية في جامعة حملت أنبل اسم وأشرف نسب
    قال تعالى: ((ان الباطل لايغني عن الحق شيئا))

  • 2 أحمد العناني-ماجستير كيمياء 22-04-2014 | 08:31 PM

    مقال جميل يا دكتور زياد وحقا رائع ...لم أقرأ من قبل من كتب عن كارثة الإشراف على رسائل وأطروحات الطلاب التي تحصل في جامعاتنا..كنت دوما أحترق من الداخل عندما أسمع أن المشرف الفلاني يقول للطالب اكتب واطبع ثم راجعني لتناقش الرسالة..أليس الأجر الذي أخذه المدرس حرام..أين التوجيه من المشرف أين التعديل أين القراءة؟ عبرت يا دكتور زياد عما يجول في نفسي منذ سنوات فلك التحية والإحترام والتقدير


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :