المتابع لما تبثه المحطات الاعلامية والاذاعات الأردنية، في بلدنا الغالي حول مواضيع الفقر والعَوَز وضيق ذات اليد التي اصبحت تصبغ حياة أغلب الأردنيين، بحيث صاروا يستغيثون عبر هذه المحطات بعبارات مؤلمة، ويناشدون بأشد العبارات ويجأرون الى الله أن ينتقم من الذي كان السبب ....

المتابع ايضا يلمس ان هناك برامج وتقارير كثيرة (شكرا لمقدميها) تحاكي نبض المواطن وتبث معاناته، وتفضح فقره وتكشف عورته وعجزه، وتتلمس مشكلاته وتحاول جاهدة حلها وبلورتها، ولكن كالذي يحرث في البحر، أو كالذي ينفخ في رماد،

برامج يتفطر لمواضيعها القلب من شدة المعاناة التي وصل اليها المواطن الأردني، تسمع مواطنا لا يريد من الدنيا الا دواء لإبنه، وآخر أجرة بيت وقدرها خمسة وثلاثون دينارا فقط، وأخرى لديها طفل معاق ولا تقوى على علاجه، وهناك في المناطق النائية عائلات بأكملها مصابون بفقر الدم واخرون بالتسمم والجوع وغيرهم بالأمراض المزمنة ... وكلهم ينتظرون الفرج،
وعلى وقع هذه المعاناة وهذا الفقر هناك خطط تنموية، يسمع بها المواطن منذ أمد بعيد فيسيل لها لعابه.. ولكن!!

تبا للانترنت كيف يفضح المستور وينشر غسيل السنين، فالمتتبع لما يقال حول برامج تنمية المحافظات ومكافحة الفساد ومستويات الفقر يجد الكلام نفسه منذ سنوات خلت .. ولم يعد على المواطن سوى عيشا أكثر شقاء وغلاء وتعاسة.

برامج تطرح قضايا مجتمعية يومية، تطرح معاناة يومية لمواطنين أفنوا حياتهم في خدمة وطنهم وتنميته فما نالهم من ذلك الا ان لا أحد يسمع معاناتهم،

لم نر يوما من الأيام مسؤولا قام بمداخلة خلال هذه البرامج ليرد ويفند ما تتناوله هذه البرامج، سواء بالايجاب او القبول، لا يعني مسولينا ما يطرح عبر الاعلام من قضايا تمس حياة المواطن، كم تمنيت لو ان هناك مثلا وزيرا عمل مداخلة خلال برنامج يخص وزارتة فيقول نعم هناك تقصير أو فساد في جانب معين من وزارته او يقول أن بابه مفتوح لمراجعة هذا المواطن الذي يطرح معاناته وانه في استقباله، تمنينا ان يقرأ مسؤلونا كيف تصرف عمر بن الخطاب في عام الرمادة، وسهره على راحة المواطن وقراراته الادارية في ذلك العام، البرامج هذه ومقدموها يتكلمون وكأنهم في كوكب آخر ...، اعجبني في احد البرامج أن أحدهم يسأل اردني ؛ شو بتشتغل؟ فقال له : باحث ومفكر..فاعجب بجوابة وسأله فبماذا تبحث، فأجابه: باحث عن عمل.. ومفكر بالهجرة.

نعم، الفقر في الوطن غُربة، ماذا تعني المواطن اجتماعات الحكومة وسفراتها، وهو يسمع أن نسب الفقر والبطالة في الأردن بازدياد منذ سنوات طويلة، وأن الحكومة ما زالت بصدد إعادة النظر في برامج مكافحة الفقر بعد أن كثرت الجيوب واتسع الخرق على الراقع

نعم، لا توجد قضية تتجسد فيها أشكال القبح الإنساني وتمس بكرامة الناس واحترامهم وتعبِّرعن أوجاعهم وتعاستهم وشقائهم ومدى شعورهم بالانكسار والذل والظلم والإقصاء والتهميش كقضية الفقر .