لا تكن سوداويا، لكن لا تُطل الوقوف في المنطقة الرمادية. الرماد حصيلة احتراق، هو ما بعد بعد النار، أو قل شيخوخة النار . النار في عنفوان شبابها الآن .تحرق الاخضر المتبقي من الشيخوخة العربية .

الربيع المبشرون به، من المحيط الى الخليج، ثبت بطلان اخضراره، والدم سال من الماء الى الماء ومن النفط الى الزيت . الحرية من قيود الانظمة التي سموها قمعية اصبحت عبودية حديثة الادوات، قديمة الاهداف في هذه المنطقة من العالم ، منطقتنا العربية، التي منها أُضيء العالم ذات تاريخ .

قدر المنطقة ان تتوسط العالم فسموها الشرق الاوسط . وقدرها ان تكون محط اطماع الاقوياء في زمنهم، الرومان والتتار والعثمانيون والفرنسيون والبريطانيون ولكنّ للقدر وجهين احدهما مضيء . فقد كانت المنطقة ايضا الشاهد على انهيار كل الامبراطوريات الطامعة، فيها تحطمت جيوش ونفقت خيول ورحل العابرون .

الان التاريخ يكرر فعلته. ولكي نصل الى اجابات للاسئلة القاتلة المطروحة حالياً لا بد من ان نطرح الاسئلة اولاً ونبدأ من آخرها:
ما هي داعش، من اوجدها، ولماذا الاصرار على اختصار مسماها بـ «الدولة» اختصاراً لما اعلنه مجموعة مسلحين متطرفين مشبوهين «الدولة الاسلامية في الشام والعراق» من قبل اجهزة اعلام مكشوفة وكتاب معروفين بانتماءاتهم المشبوهة قصيرة النظر ؟ ومن مولها وسلحها وزودها بالعناصر مغسولة الدماغ قذرة الايدي والعقول ؟

- ما سر التقارب الايراني –الاميركي الغربي الذي حصل على هامش دورة الجمعية العامة للامم المتحدة، وفتح الملف النووي الايراني الذي عادة يغيب عن الساحة الدولية ثم يعود فجاة كلما ضعف العرب وتراجعت مكانتهم في الخريطة الدولية ؟

- لماذا تفتح صنعاء للحوثيين وتسلم لهم تسليم اليد، ومن اعطاهم المفتاح ؟ ولماذا تزامنت سيطرتهم عليها مع صحوة الجنوب على الانفصال ؟

- ما سر كوباني «عين العرب»، ولماذا هي وحدها العصية على داعش؟ ولماذا الضغوط الاميركية والغربية على تركيا للسقوط في مستنقع كوباني ؟

- ما سر تغير الموقف الاميركي من النظام السوري، وما علاقة التغير بالتقارب الاميركي الايراني ؟
قد تبدو هذه الاسئلة كالكلمات المتقاطعة، صعبة في البداية وما ان تحلها حتى تشعر كم هي ساذجة وبسيطة!
وكم يبدو وطننا العربي بدوله ودويلاته وتشظياته رقعة شطرنج يجري تقطيعها بالحديد والنار، بالسكاكين المحلية والدولية، بساطور داعش والتنظيمات السوداوية المتطرفة، وببساطير الغزاة الجدد والقدامى !
المختصر غير المفيد، بل القاتل، رداً على الاسئلة السابقة أن الوطن العربي يجري انهاكه حالياً لتقسيمه الى مناطق نفوذ للامبراطورية الفارسية (ايران) والامبراطورية الرومانية (اميركا)، العراق بعد الاحتلال الاميركي نموذجاً وسوريا حالياً ايضاً . اما اليمن فحدث بلا خجل . وما بعد اليمن فالدور قادم والسكين تقطع في لحم تعفن ضعفاً .

ألم نقل منذ البوعزيزي انها سايكس بيكو 2 ؟ ألم نقل انها ليست ثورات بل ثيران جديدة لم تتعظ من درس الثور الابيض ؟ ها هم يؤكلون بالشوكة والسكين على مائدة الامبراطوريات الحديثة في هذا العالم المتوحش !!
(الدستور)