facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




القزم نخلة


م. أشرف غسان مقطش
02-02-2020 10:31 AM

حينما كنت طالبا في مدرسة سيدة الجبل الأساسية المختلطة في عنجرة، فاجأنا الأستاذ الفاضل مجيد الزوايدة بسؤال ملغوم في إمتحان لنا في مادة التاريخ لست أذكره حرفيا لكن جاء نصه بما معناه: هل كان الوجود العثماني في العالم العربي حكما أم إحتلالا؟

فغرت فاهي حينئذ، رفعت حواجبي، ضربت أخماسا بأسداس، وللمرة الأولى منذ الجلسة الأولى لي على مقاعد الدراسة حككت رأسي بقلمي في مواجهة سؤال في إمتحان في مادة التاريخ! يا له من سؤال خبيث!

السؤال أربكنا جميعا نحن طلبته في الصف العاشر الأساسي، والإمتحان كله على ما أذكر كان عبارة عن سؤالين فقط: أحدهما هذا السؤال الماكر، أي أن نجاحنا أو رسوبنا في هذا الإمتحان كان يعتمد على صحة إجابتنا لهذا السؤال أو عدم صحتها، وعلى مدى وعينا بتاريخنا، ولا خير في أمة تائهة في سطور تاريخها!

إنه لسؤال عويص حقا، وفعلا، كيف كان الوجود العثماني في الوطن العربي؟ أتراه كان حكما شرعيا أم إحتلالا غاشما؟

لقد حفظت مادة الإمتحان عن ظهر قلبي، بصمتها بصما دقيقا، لكنني على ما يبدو لم أفهمها فهما صحيحا؛ وآنذاك فقط، أدركت أن التاريخ فهم وإستيعاب ليس ترديدا ببغائيا، التاريخ تغلغل فيما وراء السطور رويدا رويدا للإقتراب قدر الإمكان أكثر فأكثر من مجرى الحقيقة، كي نعتبر من حيثياتها ونتعظ من دروسها فيما بعد، لعل وعسى لا نكرر أخطاء أجدادنا!

واليوم يتأرجح جوزيف مسعد بالقارئ بين (الإنتداب) و(الإستعمار) في روايته لتاريخ هذا الوطن الغالي من خلال كتابه "آثار إستعمارية تشكل الهوية الوطنية في الأردن"، إذ تجده تارة يتحدث عن إستعمار بريطاني للأردن(1)، وطورا يتكلم عن إنتداب بريطاني للأردن(2).

وكما لا يخفى على القارئ النبيه، فإن هناك فرقا بين (الإنتداب) و(الإستعمار)؛ فالإنتداب -وفقا للويكيبيديا- كما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة هو تمكين دولة تدعي مساعدة البلدان الضعيفة المتأخرة على النهوض وتدريبها على الحكم حتى تصبح قادرة على أن تستقل وتحكم نفسها بنفسها. أما الإستعمار فهو -رجوعا للويكيبيديا- السيطرة التي تمارسها دولة من الدول أو جماعة من الناس على شعب من الشعوب والتحكم بمصيره واستغلال خيراته لصالح البلد المستعمر.

إذن، شتان ما بين (الإنتداب) و(الإحتلال) بما يحمل كل منهما من مدلول تاريخي مغاير تماما لما يحمله الآخر إن كان على الصعيد السياسي أو الإقتصادي أو الإجتماعي أو حتى الثقافي.

وعليه، هل كان الوجود البريطاني في الأردن إستعمارا أم إنتدابا يا مسعد؟

لربما أراد جوزيف مسعد أن يضع بين يدي القارئ جميع الكلمات التي تحتمل الصواب في وصف الوجود البريطاني في الأردن، كي يتمكن القارئ من النظر إلى تاريخ الأردن من جميع الزوايا، لعل وعسى يكون في أقرب موضع من مسار الحقيقة في بعدها التاريخي. ولعلني لا أغالي إذا ما قلت بأن ليس كل ما نقرأه في معطم بل غالبية كتب التاريخ هو الماضي المجرد بعينه بل هو وجهة نظر المؤرخ.

ولربما ينظر مسعد إلى الوجود البريطاني في الأردن بأنه كان بادئ ذي بدء إنتدابا فرضته الأمم المتحدة تحول فيما بعد إلى إستعمار، لهذا جاء في عنوان الكتاب "آثار إستعمارية" ولم يجئ "آثار إنتدابية".

ولا أجد مندوحة لي هنا من التنويه بأنه قد يصح القول أن الإستعمار يحمل الإنتداب في وجه من وجوهه لكن الإنتداب لا يحمل الإستعمار في أي وجه من وجوهه.

من جهة أخرى، يتحاشى أحد أشهر المحللين السياسيين العرب ذكر كلمتي (العدو الصهيوني) في معرض حديثه عن الحق العربي الفلسطيني في حلقاته اليوتيوبية، إذ يذكر بدلا منهما كلمتي (الكيان الصهيوني)، والبون بين (العدو) و(الكيان) أشد مما بين (الفتوحات الإسلامية) و (الغزوات الإسلامية).

ومن المفارقات التاريخية في سياق التأرجح بين الكلمات، الحوار الذي دار بين الرئيس العراقي السابق صدام حسين والرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات على هامش مؤتمر القمة العربية الذي عقد في بغداد في الثامن والعشرين من شهر أيار عام (1990) حول صمود المجاهدين/المواطنين الفلسطينيين في جنوب لبنان. فهذا صدام حسين لا تبارح لسانه كلمة "صهيونية" بينما ياسر عرفات لا تفارق لسانه كلمة "إسرائيلية". ويستطيع القارئ أن يشاهد هذا المشهد في اليوتيوب.

هناك طرفة ذات مغزى في سياق هذا المقال لا بد لي من التطرق إليها. ذات يوم أُحْضِر قزم متهم بجريمة قتل إلى قاعة المحكمة لتتم محاكمته. طلب القاضي منه أداء القسم القانوني؛ فأداه المتهم على أكمل وجه. سأله القاضي عن اسمه؛ فأجابه المتهم: نخلة؛ فإذا بالقاضي ينظر إليه من فوق نظارته ويقول له: أبدأنا نكذب؟

على هامش المقال:
نقرأ في كتاب "مستشار الملك"، لمؤلفه جاك أوكونيل مع فيرنون لوب، ترجمة عماد إبراهيم عبده، الطبعة العربية الأولى (2015)، الأهلية للنشر والتوزيع، ص(71):

وكان غولدبيرغ سيظهر فقط بعد أن أكون قد تفاوضت على (لغة) تكون مقبولة للولايات المتحدة وللعرب، وكذلك، وفقا لغولدبيرغ، إسرائيل.

وفي ص(73):
وبدأت الدبلوماسية المكوكية في اليوم التالي واستمر الروتين نفسه لعدة أيام إلى أن تم في نهاية المطاف التوصل إلى حل بشأن (اللغة) الحاسمة للحل. وكانت الخطوة الأولى بالنسبة لي هي أن أطلع الملك [الملك حسين] على (اللغة) التي أرادها غولدبيرغ والأسباب.

ومن ناحية أخرى، لم تكن (اللغة) هي ما يثير مخاوفه [مخاوف الملك حسين]، وإنما تفسير الولايات المتحدة الأميركية المطبق عليها.

آرثر جي غولدبيرغ: قاض سابق في المحكمة الأميركية، والممثل الأميركي لدى الأمم المتحدة عام (1965-1968).

(1)&(2): أنظر ص(51)، ص(55) من كتاب (آثار إستعمارية تشكل الهوية الوطنية في الأردن) لمؤلفه جوزيف مسعد، ترجمة شكري مجاهد، دار مدارات للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى يناير (2019).





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :