facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




جيل الطابق المسروق


أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
05-08-2020 03:12 PM

بدأت للتو في تأليف كتابي تحت عنوان محطات في حياة طبيب (قد يتغير الاسم لاحقا). رغم أني لم أقطع حاجز الخمسين بعد لكن العيش في منطقتنا بأحداثها المتسارعة التي تلقي بظلالها على الحياة الاجتماعية والمهنية تنضج التجربة باكرا. أطل اليوم عليكم بإحدى هذه المحطات والتي تمثل توطئة وقد تقدم تفسيرا لمحطات تالية. إنها محطة جيل الطابق المسروق.

في معظم البنايات هنالك طابق بين الطابقين الأول والثاني يدعوه البعض الميزانين وأدعوه الطابق المخفي أو المسروق مستعيرا المصطلح من لقاء للدكتور مصطفى الفقي. يقفز المصعد بين الطوابق ونادرا ما يقف في الطابق المخفي. وإن سألت أحدهم عن هذا الطابق تتباين الإجابات والتوقعات ويبقى الطابق مسروقا مخفيا مبهما تحيطه التكهنات ونادرا ما يعبأ به احد.

نحن جيل انتقالي نشبه ذلك الطابق المسروق تفتح وعينا على حال ونضج على حال أخرى لا تشبهه. يتسارع كل ما حولنا ويتغير في حين يلهث فكرنا لمجاراة ذلك التغيير في الوقت الذي تئن فيه ذاكرتنا لاستيعاب كل ما هو جديد.
في المجال السياسي والإداري يجلس الحرس القديم في الطابق الأول متمترسين خلف مصطلح الخبرة وفي الطابق الثاني يجري الشباب تحت دافع الحماس ونبقى نحن بشئ من الخبرة وطاقة كامنة من الحركة منسيين في الطابق المسروق. يدافع أهل الطابق الأول عن مكاسبهم لان المرحلة تحتاج أهل الحكمة و التجريب ويصرخ أهل الطابق الثاني بأنه وقت تمكين الشباب لدفع العجله والتحديث ويبقى أهل الطابق المسروق متأرجحين بين الطابقين ينظر لهم أهل الخبرة أنهم شباب دورهم قادم ويقول أهل الحماس أنهم شيوخ زمنهم قد أفل. أهل الطابق المسروق هم أهل الطريق الثالث فالقطار ان لم يتسارع سيتأخر عن الركب وان تسارع بدون توجيه سيخرج عن القضبان.

في مجال التطور والتحديث فأهل الطابق المنسي عاشوا المرحلة التقليدية والرقمية فأصبحوا مهاجرين إلى الرقمية. من الهاتف المربوط بمقسم البريد إلى الهاتف المباشر إلى المحمول ثم الهاتف الذكي مراحل يمر بها كل شئ في عالمنا المتسارع فالإعلام الذي كان يوما محصورا بمحطة واحده بساعة محددة يلفظ أنفاسه مع الإعلام الرقمي الفردي في منصات التواصل الاجتماعي. لكن الاعلام الجديد هو إعلام سطحي متوتر تنتقل فيه المعلومات والأحداث دون تمحيص أو تحليل لا يضيف للمعرفة ولا يعمق الوعي لكنه فعال وقوي. انه صراع أجيال فمن يضح القواعد والخطط المستقبلية هم أهل الطابق الأول آملين أن يتوقف العالم و يعيش بقواعد ما قبل الرقمية في الوقت الذي تتفجر فيه طاقات وتطلعات أهل الطابق الثاني الأصيلين في الرقمية. ويبقى أهل الطابق المنسي هم الأقدر على الانتقال الهادئ الى الحياة الرقمية.

أما الطب فهو قصة وحكاية فان تخلف عن التكنولوجيا عجز وإن جاراها دون تبصر ظلم. جيل الطابق المنسي بدأ دراسة الطب معتمدا على التاريخ المرضي والمهارات السريرية وكما في كل مجال بدأت القفزات من التصوير الطبقي إلى الرنين ومن الجراحة التقليدية إلى جراحة المناظير والتداخل المحدود. ظن البعض يوما أن التكنولوجيا ستحل محل الطبيب فإذا بها تدخل الجميع بمتاهة أن الجسد يتغير والصور الحديثة تظهر تفاصيل جديدة فهل نعالج صور أم نعالج إنسان. في كل عيادة يأتيني العشرات بصور تبين عدد من الانزلاقات الغضروفية (الدسك) لكن الأعراض قليلة وقد لا يكون لها علاقة بتلك التغيرات التي لولا الصور الحديثة ما درى بها لا المريض ولا الطبيب. أما أهل الطابق الأول فلا يؤمنون الا بالمهارات السريرية وأما لأهل الطابق الثاني فالصور هي الأول والأخر وتاه المرضى في حلقات مفرغة. ويبقى أهل الطابق المنسي هم من يبحثون عن التغييرات التي تسبب الأعراض فلا تقليل ولا مبالغة. الطب ميزان تترجم فيه المعرفة النظرية الى مهارة سريرية تميز بين ما يستحق العلاج وما هو تغير زمني تظهره الصور الطبية ولا أهمية له.

وأقول أن هذه المحطة توطئة للمحطات الأخرى تفسر أو تبرر جزءا من فوضى صراع الأجيال الذي اعتزلها أهل الطابق المنسي مرغمين بعد أن أخفي طابقهم وضاع صوتهم بين الضجيج والصمم ولكن تبقى بوصلتهم تشير إلى الاتجاه الصحيح هذا إن رغب احد بسماعهم.
أطل عليكم في المحطة القادمة وهي محطة توطئة لا بد منها. انها محطة العلاقة بين العقل (الواعي واللاواعي) والجسد والنفس.
دمتم بود.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :