facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عن كتاب قرأته


م. أشرف غسان مقطش
30-08-2020 03:56 PM

خلال شهر، قرأت في الحمَّام كتاب (العرب وجهة نظر يابانية).

لا يوجد عندي وقت أضيعه سدى، لا في الحمَّام ولا في أي مكان آخر. كل دقيقة عندي مكرسة لغاية، لهدف.

وهذا الكتاب ليس أول كتاب أقرؤه في الحمَّام ولا آخر كتاب. وقد بدأت منذ الأمس بقراءة كتاب جديد في الحمَّام، واسمه (حبر الشرق) لمؤلفه دومينيك شفالييه، ترجمة د. جمال الشلبي. وفي مقدمة الطبعة العربية لهذا الكتاب، يتساءل المؤلف الفرنسي، ص(21): هل يمكن للعربي أن يتكيف مع إبداعات العصر؟ هل يمكنك سيدي القارئ أن تتكيف مع إبداعات العصر؟ وقبل أن تجيب، تذكر أن بعض رجال الدين كانوا قد حرَّموا (الفيسبوك) عندما ظهر لأول مرة، و(الفيسبوك) كما لا يخفى على أحد منا هو من "إبداعات العصر".

في الحمَّام، عند قضاء الحاجة، أنت وحدك مع نفسك، سجن مؤقت، حبس انفرادي قصير جدا، عزلة تامة عن العالم الخارجي، هدوء مطبق، سكون مطلق.

وبالنسبة لي صار الحمَّام أفضل مكان أستطيع التركيز فيه كليا وأنا أقرأ، وأنا افكر فيما أقرأ، وأنا أتذكر شيئا قد يرتبط بما أقرأ، وأنا أحلل ما أقرأ ولو لهنيهة من الوقت اللامتناهي.

والكتاب كان مسليا وممتعا ومفيدا جدا لي. وكنت قد عرضت على صفحتي الفيسبوكية (المحايد) طوال شهر مضى بعضا مما ورد في ثناياه وبين سطوره وما وراء سطوره.

وأجمل ما في الكتاب صدق الكاتب وموضوعيته وحياديته وصراحته المؤدبة، لا مداجاة ولا مواربة؛ إذ أشار بكل عقلانية إلى أمراض العرب، وأخطرها: القمع.

والقمع برأي الكاتب الياباني نوبوأكي نوتوهارا يبدأ عند العرب من النواة الأولى للمجتمع: الأسرة، حيث قمع الأب للطفل، وأضيف من عندي: قمع الوالدين للأطفال؛ فإحدى السيدات من أقاربي كانت تمارس مع أحد أبنائها قمعا رهيبا حتى وصل بها الأمر أن تكذب على والده زوجها في شأن من شؤون ابنها كي يضربه! وقد تم لها ما أرادت؛ فنشأ إبنها نشأة عدوانية يقمع فيها من يخالفه في رأيه! وهذا القمع هو اللبنة الأولى لهرم القمع العربي.

وأروع ما في الكتاب قصة الكاتب مع طلي وُلِدَ في خيمة صديق للكاتب: أبي عبدالله. وأبو عبدالله بدوي عربي سوري كان يزوره المفكر الياباني ببين الحين والآخر ليتعرف الكاتب على البدو الذين خصص لهم الحصة الأكبر من كتابه، وذلك سواء عندما تحدث عنهم في سوريا أو عندما تطرق لروايات الروائي الليبي ابراهيم الكوني التي تدور أحداثها في أفلاك حيوات الطوارق بدو الصحراء الكبرى.

قصة الكاتب مع الطلي مشوقة، درامية، ذات حبكة تراجيدية تمثلت باشتراك إثنين في البرزخ ما بين الحياة والموت: أحدهما حيوان وهو الطلي، والآخر إنسان وهو صديق آخر للكاتب الياباني واسمه حجازي. ورغم بساطة القصة الحقيقية الا أنها كانت غنية المعنى، ثرية العبرة، وذلك في إطار وجود الإنسان: لماذا أنا موجود؟

نوبوأكي نوتوهارا قارن في مواضع عدة من كتابه الذي قرأته بطبعته التاسعة بين بعض القيم الأخلاقية كالكرم عند اليابانيين وعند العرب، ورسم خطوطا عريضة لملامح الحياة الاجتماعية هنا وهناك كالضيافة، وعرض بشكل موجز لأهم الفوارق بين الفكر الياباني والفكر العربي، وهو أن الفكر الياباني يمتاز في أغلبه بالوحدة بين القول والفعل، بين الكلمة والسلوك، على النقيض من الفكر العربي الذي يعاني من التباين الصارخ بين الكلمة والسلوك، وهذه أزمة فكرية يعيشها الفكر العربي تعود جذورها إلى عصر الجاهلية بحسب اجتهادي.

وقد أشار الكاتب الياباني أكثر من مرة إلى معضلة مهمة من معاضل العرب على الصعيد الفكري، وهي أن العرب ينظرون للحياة بمنظار "الحقائق الجاهزة" الموجودة في القرآن.

وأنا متفق معه إلى حد بعيد في ذلك، لكن مع اختلاف بسيط، وهو أنني أرى العرب بكافة أديانهم مسلمين ومسيحيين وحتى يهودا كيهود المغرب مثلا لا حكرا، كافة العرب ينظرون للحياة بمنظار "الحقائق الجاهزة" كل حسب كتابه: المسلمون من خلال القرآن، والمسيحيون من خلال (الكتاب المقدس) واليهود من خلال التوراة والتلمود.

وهذا الإختلاف البسيط يقودني إلى القول بصفة شبه جازمة أن العربي من قبل أن يتدين عنده مشكلة عويصة قديمة جدا هي أنه ينظر للحياة بمنظار "الحقائق الجاهزة" بغض النظر عن مصدر تلك "الحقائق" التي قد تكون كتابا دينيا أو أعرافا عشائرية أو عادات وتقاليد اجتماعية أو دروسا تربوية صارمة تلقاها من والديه أو أحدهما إن كان يتيما أو غيرهما إن كان لطيما أو عقد نفسية مجتمعية تولدت في نفسه بحكم المجتمع الذي يعيش فيه، وخير مثال على ما أقول حكاية المؤلف الياباني مع الروائي المغربي محمد شكري عندما ثار الأخير ثورة هوجاء على الأول لأنه قال له على سبيل المزاح: أنت جبان! والقصة أتركها حسرة في نفوسكم لعل وعسى تتشجعون لقراءة الكتاب لكي تنظروا إلى أنفسكم بمنظار إنسان ياباني عاشرنا أربعة عقود، خالط فيها الفلاح المصري والبدوي السوري ومدنيين عرب من مختلف أقطار (العالم/الوطن) العربي ومفكرين وأدباء ومثقفين وفنانين ورسامي كاريكاتير ولوحات تشكيلية عرب.

ومن "الحقائق الجاهزة" التي قد يتنطع بها أحد العرب لي هي: كيف تقرأ في مكان تقيم فيه الشياطين؟ وجوابي له: إن القراءة في مكان نجس رجس جعلتني أقلع عن عادات سيئة كثيرة، وسلامة فهمكم.

قيمة الكتاب تكمن في وجهة نظري بأن الكاتب درس العرب لأنه يريد ذلك كما أقر بنفسه، أي أنه استعربنا نحو أربعين عاما إذا جاز التعبير لأنه يرغب بذلك من تلقاء نفسه، بمعنى أن استعرابه لم يكن جزءا من مخطط سياسي أو خطة استراتيجية بعيدة المدى تعدها مؤسسات في اليابان.

سادتي القراء، نصيحة مني لكم: إقرأوا. لا تمضوا كل الوقت في القراءة، لكن إقرأوا وأنتم في الحمَّام على الأقل، إقرأوا ولو دقائق، تلذذوا بالقراءة في جو هادئ كليا، استمتعوا بالقراءة في صومعة حمَّامية ساكنة تماما، واسبحوا مع الكلمات نحو شاطئ "الحقيقة" وأنتم جالسون على المقعد الافرنجي، هذا إذا كانت هناك "حقيقة".





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :