البرد العنيف في تلك الليلة بات يضرب بقساوة وبدون رحمة عظام ذاك الحارس الهزيل ذو الوجه الشاحب، بينما كان يقوم بعمله بتفان وإخلاص في أحد القصور.. عاد صاحب القصر وقد لاحظ الرعشة التي كانت تبدو واضحة على جسم الحارس الواقف بملابسه الرقيقة.. راود صاحب القصر سؤالاً بشأنه فقال: ألا تشعر بالبرد وأنت ترتدي هذه الملابس التي بالكاد تحميك من زمهرير الشتاء القارص.. فأجاب الحارس: أجل أشعر لكني مجبور على التحمل، فلو كنت أملك ملابس غيرها لكنت لبست.. همس صاحب القصر في أذن الحارس سأطلب من أحد خدمي أن يأتيك بلباس دافئ يأويك من بأس هذا البرد.. تسلل الفرح إلى قلب الحارس الواهن.. لكن صاحب القصر ما أن لبث ودخل قصره حتى نسي وعده.. وفي صباح اليوم التالي كانت روح الحارس الهزيل قد فارقت الحياة.

مرَّت بي هذه القصة فأثَّرت بي إلى حد بعيد، ذلك أنها تروي واقع الكثير من البشر.. نعم قد يستغرب البعض مما حدث لهذا الحارس الذي كان يتحمَّل مشقة العمل والبرد في كل ليلة لكنه لم يتحمل أن يُخْلِف صاحب القصر بوعده.. لماذا لا نقول أنها القشة التي قصمت ظهر البعير.. نحن أحياناً كثيرة نستطيع تحمُّل الضغوطات في حياتنا بحيث نتحمل أشياء لم نعتقد في يوم من الأيام أننا قادرين على ذلك لكن سرعان ما تنهار قوانا وتُرْهَق قلوبنا بسبب تلك الوعود التي تصور لنا أن كل شيء حولنا سيصبح على ما يُرام..

إنَّ من صفات المؤمن الوفاء بالوعد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن إذا حدث صدق، وإذا وعد أنجز، وإذا أؤتمن وفى " صدق رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

لذلك يا صديقي إن لم تكن قادراً على الوفاء بوعدك لا تَعِد أحداً بشيء.. فأنت لا تعلم ما قد تفعله الخيبة بقلبه، وما قد تطفئه فيه.. فإن لم تكن عند وعدك فلا تزرع في أحدهم نبضاً لا يعرف كيف يهدأ، والأحرى بك أن تنسى كيف تنطق أصلاً.