عمون - جلسات عائلية، وحركة نشطة في الشوارع، واصوات شبان تعالت في الساحات الخارجية، مشهد اعاد الشارع الأردني أكثر من 10 سنوات للوراء، بعد توقف أكثر منصات التواصل الاجتماعي استخداما في الأردن، لمدة زادت عن 6 ساعات اثر الانقطاع العالمي لخدمات تطبيقات "فيسبوك، انستغرام، وواتساب.

وفي قراءة لـ عمون، للمشهد الالكتروني وما رافقه من تداعيات على سلوك الأفراد، لوحظ بالأمس حرص الناس على ايجاد بدائل وحلول سريعة للتواصل الاجتماعي، كما شوهدت حركة غير معتادة للمركبات في الشوارع حتى وقت متأخر من الليل، والبعض وجد في فترة "الصمت الإلكتروني" فرصة لتبادل الزيارة مع الأهل أو الأصدقاء خاصة مع توفر الوقت "بدل الضائع" الذي كان الكثير منا يستغرقه في تصفح مثل هذه التطبيقات.

آخرون فضلوا النوم مبكرا على غير العادة، كل هذه المتغيرات السريعة واكبها الناس وشكلت خرقا وتغييرا في برنامج حياتهم اليومي الذي فرضه بطبيعة الحال إنقطاع خدمات مواقع ومنصات التواصل الإجتماعي، ما يعني ان هناك حالة تغيير اضطراري دفعت بالجميع حول العالم للتعايش مع الوضع الراهن او البحث عن بدائل سريعة لسد الفجوة التي حدثت.

رئيسة قسم علم الإجتماع والخدمة الاجتماعية في جامعة اليرموك الدكتورة آيات نشوان قالت لـ عمون، إن انقطاع وسائل التواصل الاجتماعي المفاجئ تسبب بحالة من الذهول في العالم وليس في الأردن فقط، وواكب ذلك مزيدا من التوتر والقلق لدى معظم الناس الذين يعتمدون اعتماداً كلياً على هذه المواقع في تواصلهم اليومي.

وأشارت نشوان إلى أن تأثير هذا الانقطاع إمتد ووصل لنطاق خارج البلد الواحد وليس في الداخل فقط، ما اضطر الكثير من المستخدمين لتحميل برامج أخرى تعوض هذا الانقطاع وكان هذا بمثابة الإنفراج الجزئي لحالة الإنقطاع.

وبينت أنه مع عودة هذه المواقع والتطبيقات للعمل بعد عدة ساعات، طُرحت أسئلة عديدة لدى المشتركين منها، ماذا لو إنقطعت هذه المنصات للأبد؟، وما هو تأثير ذلك سواء كان سلبيا ام ايجابيا على المجتمع والأفراد؟، معتبرة أن هذه الأسئلة بحاجة لطرح دائم لندرك مدى تأثرنا الكبير بهذه المواقع، ومدى بعدنا الحقيقي عن التواصل الوجاهي المباشر لصالح هذه التطبيقات التي تنسجم مع عصر السرعة الذي نعيشه حالياً.

الناشط خالد صبيح الشراري، إتفق مع ما ذهبت اليه النشوان، وقال لـ عمون إن تأثير إنقطاع بعض منصات التواصل الاجتماعي أثرت بشكل سلبي وايجابي في نفس الوقت، حيث أن العديد من متابعيه قاموا بالإتصال به عبر الهاتف لمعرفة ما يجري وتفاجئوا بسبب الإنقطاع من الشركة الأم للفيسبوك، بينما ذهب آخرون الى متابعته عبر منصات أخرى مثل "التك توك، سناب شات، واليوتيوب، وتويتر"، ما أدى لزيادة عدد متابعيه على هذه التطبيقات في وقت قياسي.

وتابع الشراري، إنه استغل الوقت الذي توقفت خلاله خدمات "الفيسبوك" بالتواجد مع أسرته، كما أنه قام بإجراء وتلقي العديد من الإتصالات على صعيد التواصل الأسري وهذا يؤشر الى أن الناس وجدت وقتا لتعيد فيه تواصلها بطريقة أخرى ومباشرة أكثر.

ونصح الشراري مستخدمي التواصل الاجتماعي أن يكون لديهم أكثر من تطبيق أو منصة في حال توقفا احداها لأي طارئ أو خلل فني يستطيع أن يواصل عمله ونشاطه وإطلاعه من خلال التطبيقات الأخرى ، مشيرا الى أن التطبيقات كثيرة ومتشابهة نوعا ما وهناك دائما بديل وخيارات متعددة.

الاستاذ الدكتور حسين الخزاعي أكد لـ عمون، أن إنقطاع خدمات بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي على المستويين المحلي والعالمي اعطى فرصة للمجتمع والأفراد بأن يعيدوا حساباتهم في استخدامهم هذه المنصات وعدم الإعتماد عليها بشكل كبير والتقليل من وقت الدخول لفترات طويلة والإستفادة من الزمن المتوفر في أعمال مفيدة، مبينا أن هناك بدائل آخرى لمواقع التواصل مثل الاتصال بالهاتف والرسائل المباشرة للتقارب مع الأصدقاء والأهل مع إمكانية إبقاء مثل هذه المنصات للضرورات التي قد تفرضها طبيعة العمل أو التواصل خلال السفر خارج البلاد.

وقال الخزاعي، إن هذا الإنقطاع الذي شهدناه بالأمس كان له أثرا إيجابيا، ولاقى قبولا كبيرا عند الأهل وخاصة الآباء والأمهات وكبار السن، لأنهم شاهدوا أبنائهم يجلسون معهم ويستثمرون وقتهم ويستفيدون من خدماتهم.

وبالرغم من ترك العديد الحياة الافتراضية خلال العطل العالمي، راح مواطنون للبحث عن تطبيقات مراسلة جديدة مثل "سيجنال وتليغرام وغيرها، وآخرين قاموا بفتح حسابات على تطبيق "تويتر" الشهير والذي رحب بدوره بإنضمام ملايين المشتركين الجدد خلال ساعات من أزمة إنقطاع خدمات الفيسبوك والأنستغرام، بل وقامت إدارة التطبيق بإستغلال الفرصة الذهبية على قاعدة "مصائب قوم عند قوم فوائد" حيث نشر موقع تويتر على حسابه الرسمي تغريدة كتب فيها بشكل ساخر: "أهلا بالجميع.. حرفيا"، في إشارة إلى نزوح الملايين من المستخدمين إليه بسبب تعطل المواقع الأخرى، وفي لحظة معينة تساءل كثيرون، هل سنعود الى نظام المراسلات بالبريد الإلكتروني "ياهو او جي ميل"، وهل سينتهي الأمر بالفيسبوك الموقع الأكثر استخداما وإنتشارا حول العالم؟

الخبير في مجال التواصل الإجتماعي محمد منصور، قال إن الشعب الأردني يعتمد بالدرجة الأولى على الفيسبوك والواتساب خاصة للأعمال والأفراد، مشيرا الى ضعف تفاعل المجتمع والأفراد على منصات مثل "تويتر او سناب شات او تليغرام" التي تقدم خدمات لصناع المحتوى بأدوات رائعة وتتيح مجموعة واسعة من الأدوات للمحادثات النصية والفيديو.

وأكد منصور أن هناك خسائر مادية كبيرة لحقت بصناع المحتوى والشركات التي تعتمد في أعمالها على التطبيقات والمنصات المتضررة من الإنقطاع المفاجئ.

وانتقد عدم وجود أي منصة تواصل إجتماعي عربية بديلة حتى الآن تغطي حاجة الأفراد والسوق الخدمي أو توفر الأدوات اللازمة للأعمال، مشيرا الى أن هذا الأمر مقلق منذ سنوات وخاصة بعد تعمد شركة فيسبوك حذف عدة صفحات وحظر مستخدمين بسبب المحتوى خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية مؤخرا، مبررة ذلك بالسياسة الامريكية وتصنيف بعض الجماعات الارهابية في الشرق الأوسط، ما يؤشر على سياسة التعامل مع المحتوى بحسب التوجهات للقوى العظمى في العالم.

وذكر منصور لـ عمون، أنه في أواخر سبتمبر عام 2021م، نشر أحد مستخدمي منتدى قراصنة معروف إعلانًا يدعي فيه إمتلاكه بيانات شخصية لأكثر من 1.5 مليار مستخدم على "الفيسبوك" ولا زالت البيانات معروضة للبيع حاليًا على تلك المنصة، مع إتاحة الفرصة للمشترين المحتملين لشراء جميع البيانات دفعة واحدة أو بكميات أقل، وتزامن ذلك مع انقطاع عالمي في خدمات الفيسبوك آنذاك، فيما علقت الشركة انها لا تعرف حتى الآن ما إذا تم إختراق أي بيانات خلال عملية الإنقطاع، ما يثير القلق العالمي حول مدى حماية الخصوصية لمثل هذه الحسابات وكمية البيانات الهائلة المتدفقة يوميا والتي تستحوذ عليها الفيسبوك؟

أردنيون تهكموا على انقطاع خدمات فيسبوك وواتساب وانستغرام، فقال ليث "الحمد الله تعرفت على اهلي وعيلتي والأكثر من هيك طلعت متزوج وعندي بنت ولله الحمد"، فيما قال حازم "يا ريت كل يوم من المغرب للفجر ما يكون أي نشاط الكتروني والناس ترجع لطبيعتها".

وأضاف حسان، "كيفنا وفرحنا يا ريت كل يوم ينقطع النت حتى نقدر نشوف بعض زي ايام زمان احنا بحاجه لنعرف بعض من جديد"، وأكدت لينا: "اليوم شفنا جيراننا وتعرفنا على أهلنا طلعوا ناس كويسين ومافي منهم للأمانة".

الهام وصفت التجربة بلا انترنت بالجميلة قائلة "التمينا وقعدنا مع بعض وتعرفنا على افراد العائلة صاروا كبار ما شاء الله"، فيما قالت غادة: "ريحنا عيونا ما فرقت معي ونمنا بكير ولو ينشطب كله بكون اريح".