facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التطلع إلى الاستقلال الجديد


سامح المحاريق
25-05-2022 04:09 PM

مع الاحتفال بعيد الاستقلال تتوجب بعض التوضيحات التقنية، وأهمها أن الأردن لم يكن يوماً مستعمرةً أو دولةً محتلةً، وعلاقته مع بريطانيا كانت تدبيراً مستحدثاً أطلق عليه وصف الانتداب، بما يعني حصول بريطانيا على تفويض من المجتمع الدولي بتأهيل الأردن ليلتحق المجتمع الدولة بوصفه دولةً ناشئةً بعد أن بقي لقرون جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، البريطانيون بالطبع لم يكونوا معنيين بالمجتمع أو القانون الدولي، والعملية يمكن أن توصف بتقاسم مناطق النفوذ بين البريطانيين والفرنسيين.

لم تكن بريطانيا معنيةً بتأسيس المجتمع الأردني، فهي تدخلت في بعض المؤسسات، أما الجانب المجتمعي، فالأردنيون عملوا على صيانته ورعايته، ولذلك لم يكن ثمة استلاب تجاه المستعمر في الشخصية الأردنية، وقطاع بسيط من النخبة حظي بفرصة التعلق ببعض العادات الإنجليزية، ويمكن القول بأن العلاقة البريطانية – الأردنية كانت تقوم على انتهازية واضحة من الجانب البريطاني، فالأردنيون مثلاً كان يمولون التوسع في التعليم داخل القرى من خلال المجالس البلدية، وكان الأهالي يدفعون ثمناً لتجهيز المدارس وتغطية رواتب المعلمين بجانب الدعم الذي تقدمه الحكومة التي لم تكن تمتلك الموارد الكبيرة، كما لم تعمل بريطانيا على تأسيس البنية التحتية إلا فيما يحتاجه وجودها المؤقت.

الاستقلال الأردني لم يكن مرتبطاً بعملية رحيل البريطانيين عن أراضيه، بقدر ما كان يعني حصوله على شخصيته القانونية في المجتمع الدولي، والمؤسسات الأردنية لم تكن نتيجة للوجود الاستعماري، ولكنها نهضت على نماذج وطنية وفي هذه النقطة التي يمكن أن تعتبر نموذجاً ايجابياً تكمن بعض السلبيات، فالأردن كان في حاجة للكوادر الوطنية المؤهلة، ولأن الوجود العثماني لم يكن هو الآخر مستعداً للاستثمار في الحواضر العربية إلا فيما يعزز من وجوده أو سيطرته، بقيت معظم المرافق التعليمية التي يحتاجها الأردنيون في دمشق وبيروت، ومثل سكان الجزيرة في سوريا أو الأنبار، البعيدون عن الساحل، كان الالتحاق بالتعليم أمراً مرهقاً على المستوى المادي والمعنوي، فضلاً عن إلحاق مناطق مختلفة في الأردن بمراكز إدارية عثمانية في بعض المدن التي تناسبت مع الرؤية الإدارية العثمانية.

الأردن في معناه الجغرافي والعروبي هو جزء من سوريا الكبرى، والأردنيون كانوا من الحاضرين في المؤتمر السوري العام 1919 الذي أعلن المملكة السورية، فكانت السلط ممثلة في سعيد أبو ناجي وسعيد الصليبي، واربد في عبد الرحمن ارشيدات، وعجلون في سليمان السودي، والكرك في عيسى مدانات، ومعان في خليل التلهوني، ولكن المملكة السورية كانت في حد ذاتها تتناقض مع المشروع الانتدابي برمته، وكان الأردن في الإمارة التي أعلنت بعد ذلك بفترة وجيزة وشكلت أساس المملكة الأردنية الهاشمية الوريث الحصري للمشروع بأكمله، ولذلك تدفق المناصرون لمشروع الاستقلال العربي إلى عمان، فكان رشيد طليع والركابي يلتحقون بالملك عبد الله الأول ويتولون رئاسة الحكومة.

كان تأسيس كيان سياسي في الأردن أمراً أدى إلى إغلاق صفحة تاريخية حفلت بالصراع والاحتكاك بين البدو والفلاحين، فالقبائل البدوية تحولت من مصدر تهديد للكورة والبلقاء والكرك إلى محيط دفاعي متقدم، وأخذت الهوية الأردنية طبائعاً من الهويتين الفرعيتين الرئيستين، وهو الأمر الذي لم يستوعب الوجود المديني بوصفه هوية مستقلة، فالمدن كانت مراكز إدارية ولم تكن بؤراً صناعية، ولحاجة الدولة الأردنية من أجل استكمال المؤسسات إلى جميع الخريجين من الرعيل الأول من المتعلمين، والتقدير الذي تحصلوا عليه بعد أن تمكنوا من تحقيق العديد من المنجزات السريعة والملموسة، أخذ الأردنيون يعملون على المماهاة بين الحكومة والدولة، بل وشجعت حاجة الدولة وشراهتها للكوادر على إهمال الجانب الزراعي والصناعي، ومع تصدير الكفاءات الأردنية إلى الخليج العربي ليشترك الأردنيون في بناء دول الخليج بعد الاستقلال في السبعينيات، تزايد الخروج من القطاعات الإنتاجية، وأصبحت ثقافة التعليم التي أدت إلى تسريع نهضة الدولة الأردنية عبئاً عليها مع الوقت، ومصدراً للقلق الاجتماعي، فالتعليم مكافأته المطلوبة وظيفة حكومية أو في أحد القطاعات الخدمية، ومن لا يحقق ذلك عليه أن يتحمل اقصاءً مبطناً على المستوى المجتمعي، لدرجة أن بعضاً من الشباب يعترفون بأن سعيهم إلى التعليم الجامعي مرتبط بالوظيفة والزواج.

وظيفة لم تعد توفر الكثير من متطلبات الحياة، وتغطية أجور المواصلات وبعض النثريات أثناء العمل يكفي لتوفير الحدود الدنيا، وكأن المتعلم ليس عليه أن يعمل بالزراعة أو الصناعة أو السياحة والتي يمكن أن توفر مدخولاً أفضل، فهو تعلم من أجل أن يلتحق بعالم (الأفندية) الذي سيؤول إلى أفول مع الذكاء الاصطناعي، ومن غير أن نواصل الحديث عن الجانب المجتمعي، عن الناس والأهل، فالحكومات أيضاً، وبعد أن أرهقت الجميع حديثاً ووعوداً عن استثمارات خدمية كثيرة، يجب أن تنتبه اليوم إلى أنها صاحبة الولاية على أرض الأردن وثرواته، وأن دعم القطاع الزراعي والصناعي وتوفير بنيته التحتية يجب أن يتوفر وأن تحميه قوانين مرنة.

أنهى الأردن، دولةً ومجتمعاً، مرحلة التأسيس والتمهيد بطريقة تستأهل الفخر بما أنجز وتحقق، والمطلوب الانطلاق تجاه أفق جديد، والانطلاق، كشأن معظم الدول والمجتمعات العربية يتطلب ارتداداً عن الريعية التي أخلت بعلاقة الإنسان بأرضه وجعلته يدخل في علاقة غير متكافئة مع العالم بوصفه مستهلكاً لمنتجاته المادية وغير المادية مثل الثقافة والأفكار، والأردن بحاجة إلى استقلال جديد في مصانعه ومزارعه وعلى الدولة أن ترتب الأدوات لمجتمع جديد.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :