facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عن “اللويبدة”: امكيس/ جدارا تروي قصة عشقها لـ زيد القسوس!


19-09-2022 05:02 PM

عمون - بقلم محمود كرايمة:

هل كان يعرف ذلك البيزنطي أن هذه التي بيده هي آخر شعلة نار لآخر حفل موسيقي في مدرج جدارا الغربي، وأن الشعلة التي ستليها مباشرة ستكون بعد ألفي عام بيد زيد القسوس يضيء بها نفس المدرج ؟

فزيد القسوس هو أول من غامر وأحيا حفلا موسيقيا غنائيا أوبراليا في مدرج “جدارا - أم قيس” الروماني، تحت الترميم”سنة ١٩٩٥ بعد سبات طويل في معجزة نوعية إبداعية وبإمكانات متواضعة شخصية.

ويا لها من مفارقة أن نحترق كي نضيء، وأن يحترق القسوس بما انسكب على جسده وثيابه من الشمع الملتهب ليلتها كي ينتشل جدارا ومدرجها من تحت هذه القرون ويضيئها ، مثلما كان لسان آلة “الونش” يتدلى من السماء وقافزا من على ركام المدرج للهبوط بآلات الموسيقى والتصوير إلى قاع هاتيك القرون ، يا لها من مفارقة أن يناغي ويناجي خوار سرب من الأبقار هذه الملحمة الأوبرالية ، لقد خشع الجميع لهذا التناغم ال”ديو” الذي رتبته ورتلته الطبيعة الجدارية لذلك المساء!

لم تكن أبدا علاقة القسوس ب”جدارا - امكيس” علاقة استثمارية فجة تخضع للحساب والأرقام ، فرغم أنه أول مستثمر سياحي مؤسسي في أم قيس سنة ١٩٩٢، إلا أنه أسس وعلم ودرب وروج ، وأصر بجنون على هوية المكان باعتباره الاستثمار الأول ، وعلى التواصل مع المجتمع الأهلي لامكيس وخصوصا النسوي باعتبارهم المستهدفين أولا وأخيرا ، وبهذا يبادر القسوس بالخروج للاستثمار والتنمية من المدينة المركز إلى القرى والأطراف ، فهو من أوائل من فعّلوا مفهوم السياحة المحلية عبر برنامج غير ربحي لسهرات وفعاليات مسائية صيفية كل خميس في استراحة أم قيس ، استمر لعقود باستقبال كل الضيوف من كل ربوع الأردن ، لم يكن برنامجا ترفيهيا بل تثقيفيا يرتقي بالذوق وبقية الحواس والأجهزة الجمالية .

فمن يستضيف الموسيقار العراقي العربي العالمي”منير بشير” وغيره من الموسيقيين والفنانين والشعراء الكبار في فعاليات تعيش جدارا وترويها وترا وترا ونغما نغما؟ ومن يجرؤ على إقامة حفل مسرحي جماعي إيقاعي حركي راقص للباليه على أرض جدارا سنة ٩٦، يحاكى فيه لا بل يحيي مسارح ومزاج مدرجات “جدارا “قبل ألفي عام وكأنها طازجة للتوّ تُعرض ..

من يكون هذا المبدع فإنه مهووس بالجمال وتجلياته في الحركة والصوت والصورة والمعمار والمكان والآثار، لطال ما اشتكى منه المحاسبون بأنه حينما ينهمك في غيبوبته الإبداعية ينسى تماما الأرقام وعالم المال والأعمال .

عرفتُ زيد القسوس “أبو هيثم“ وزوجته المهندسة وفنانة الديكور لينا القسوس في شهر أيار سنة ٩٢ في عمان الدوار الثالث، “مكتب البعد الثالث” بعد أيام من مصافحة “أبو هيثم” لثوان هنا في “استراحة امكيس قيد الإنشاء”.

أدهشني حين رأيته ينظف يديه قبل مصافحتي معتذرا بأنه كان ينظف بنفسه الحمام، في عمان هنا بعثني إليه وزير السياحة آنذاك ينال حكمت ، استقبلني أبو هيثم بحرارة وشرح لي عن مشروعه في امكيس ، شاركتنا الحديث أم هيثم وكانت تلبس الأسود ربما حدادا ، شجعتني على الاهتمام وأن المشروع سيتوسع ، وامكيس ستكون معلما هاما بوعينا وهمتنا ، وحثت “أبوهيثم”وبحماسة على توظيفي .
بعد قليل عرّفت عندليب في الخطوبة على”أبو هيثم وأم هيثم” فلم يصدقا هذا المستوى من الحضور الأنثوي القروي الآسر الواعي والمثقف، وبقيا حتى اليوم يتساءلان عن سر ذلك، وكيف عثرنا على بعضنا!

وبالطبع كان لمستوى الشراكة والاحترام بين أبي هيثم وأم هيثم في الحياتين الزوجية والعملية أشد الأثر على علاقتي بعندليب تقليدا واقتداءً، وكنا دائما نخبرهما بهذا فتبدو عليهما علامات الرضا والسرور، بنفسها وأكثر من مرة كانت أم هيثم تقدم لنا الطعام والشراب كلما زرناهم أنا وعندليب ، سواء في المطعم أو في البيت في سلوك لا يصدر إلا عن نفس كبيرة مُشبعَة بالبريستيج الثمين النادر الذي لا تتوارثه سوى العائلات المحفورة جذورها في الأصالة والكبرياء .

استأذنت مرة “أبوهيثم” قبيل الغروب بالذهاب معه من استراحة امكيس إلى إربد”بسبب انعدام المواصلات غروبا” أثناء عودته إلى عمان ، رحب بذلك على الفور ، وحينما وصلنا جامعة اليرموك بعد الغروب ليلا طلبت منه أن ينزلني هناك ، وبلا تردد قال لي بخبرة العارف : “محمود أنت بتحب ،صح ؟”، ولم ينتظر الإجابة ، وتماهى مباشرة وكأنه هو الذي على موعد مع عندليب ، وصار يدندن ويغني وبقي يدندن ويغني بعد نزولي ومتمتما بكلمات تدعو لي بالتوفيق ، فالحب فرصة لا يُلقّاها إلا ذو حظ عظيم .

طيلة علاقتي العمودية الوظيفية والأفقية الفكرية بأبي هيثم لم أتمكن من أن أمسك عليه ولو مرة واحدة أي كلمة أو إشارة تشعر أي موظف بالفوقية والتراتبية أو السلطة والسيطرة أو الرقابة والتفتيش والتصيد أو حتى البيروقراط الجامد ، فطبيعة الرجل الإبداعية الإنسانية تنفر من كل هذا الوسخ وتتسامى عليه ، معاليه لا يؤمن ولا يخضع لسلطة غير سلطة الأخلاق والجمال والفن والإبداع ، لم يخطئ أبو هيثم ولو مرة واحدة بأن زار موقعا من مجموعته السياحية دون موعد مسبق ، ولم أسمع منه أبدا بأن “عنده” موظفين بل دائما يقول : “الموظفون والعاملون “معي” ، عائلة روميرو “ ، كرر مرارا بأنه لا يريد ربحا وإنما يريد صحنا نظيفا مكتنزا ذا طعم ولون ورائحة زكية ، لا يريد سياحة ناشفة بمعناها التجاري بل ضيافة بمعناها التقليدي الاجتماعي ، ذات مرة أراد انتقاد بطء الخدمة بكل أدب ولباقة ، فقال للسفرجي مازحا :” أريد شايا .. لكن لو سمحت أريده اليوم لا غدا !”.

امكيس مدينةٌ جدا لزيد القسوس بكل هذا الحضور المحلي والعالمي من جديد ، لقد توهج وتأجج اسمها ثانية، وأخذ يغزو الخرائط والبروشورات والشاشات ووكالات السياحة وبرامج الحجيج والرحالة.

ورغم سفره إلى أصقاع العالم متعقبا ديكور صحن وبوفيه هنا أو طريقة طهي وخدمة هناك، ورغم اعترافه بالفارق الحضاري لصالح الأمم المتقدمة، إلا أنه لا يكف عن استيراد وأردنة كل جمال وإبداع يراه ، عشقا للأردن والأردنيين في انتماء وطني لا يقبل المزاحمة ولا المزايدة.

هو لا يقبل أن يكون مجرد مشاعر أو كلمات، بل سلوك يُترجَم في مشاريعه حتى اشتكى منه محاسبوه بأن بعضها يكاد يكون جمعيات خيرية، لا مشاريع استثمارية خصوصا استراحة امكيس، حين يكون كل العاملين فيها من امكيس، وحين لا تتوقف عن التبرع المستمر لباقي المؤسسات المحلية.

زيد القسوس، أعاد امكيس لحضن جدارا، وهي أعادته لأثينا، وهو سوقها في الأمزجة والخيالات، وهي التي خلصته من عالم مزيف إلى عالم المطلق والذات.

روابط العدد:
https://www.alweibdeh.com/wp-content/uploads/2022/09/issue-71.pdf?fbclid=IwAR2bAPHzyAvK5dRgY1EzgIQObQyaJc4uVRXfZMujlp6JIzTmdG4BmWEfprw


http://jorday.net/media/files/issue%2071.pdf





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :