facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




وسائل تثبيت العقيدة الإسلامية في القرآن


08-12-2022 03:46 PM

عمون - وسائل تثبيت العقيدة الإسلامية في القرآن
يَحتوي القرآن الكريم على العديد من الوسائل التي تقوم بتَثبيت العَقيدة الإسلاميّة في نفس وقلب المُسلم؛ وقد ظهر هذا بشكلٍ واضحٍ وجليٍّ في معظم آيات القرآن الكريم، ومن أهم هذه الوسائل ما يأتي:

التَّمسُّك بالقرآن الكريم وما أنزل الله فيه
يُعدُّ التَّمسك بالقرآن الكريم وما أُنزل فيه من تعاليم وتوجيهات من أهم الوسائل التي تُعزِّز العقيدة في قلب المؤمن على الإطلاق؛ كيف لا وقد احتوى القرآن الكريم على منهجٍ عمليٍّ تفصيليٍّ للمسلم في جميع شؤون حياته وأمور دُنياه، فإذا التزم به المسلم حاز الدُّنيا والآخرة، وقد حثَّ الله -سبحانه وتعالى- نبيَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- على التَّمسك بالقرآن الكريم وبِهديه في قوله -تعالى-: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).

والتَّمسُّك بما جاء به القرآن الكريم يعني أولاً الاعتقاد الجازم بكلِّ ما جاء فيه، ومن ثمَّ العمل بموجبه وتطبيقه تطبيقاً عمليَّاً في حياة المسلم لتكون النَّتيجة الوصول إلى صراط الله -تعالى- المستقيم الذي أمر به والذي يُوصل إلى جنَّات النعيم، وتجدر الإشارة إلى أنَّ التَّمسك بالقرآن الكريم يشتمل على عدَّة أمور منها: قراءته، وتدبُّره وتفسيره، والاعتقاد بما جاء فيه، وحفظه والعناية به، وتقديسه وعدم التَّهاون فيه، والعمل بكلّ ما جاء فيه.

وقد ذكر ابن كثير في تفسير الآية السَّابقة أنَّ القرآن الكريم هو الحقّ، وأنَّ كلَّ ما يَهدي إليه هو الحقّ، لذا كان التَّمسك به سبباً من أسباب الهداية إلى الحقّ، ومن ثمَّ سبباً من أسباب الثَّبات على الهداية، والاستمرار عليها. ومن جميل القرآن الكريم أنَّه تضمَّن طُرق الهداية إلى الحقِّ والثَّبات عليه ومن ثمَّ البشارة الطَّيبة لمن تمسَّك بالقرآن الكريم وثبت على منهجه القَويم من جهة، والنَّذير والوعيد لمن خالف نهجه من جهةٍ أخرى؛ فتكون هذه البِشارة أيضاً وسيلةً من وسائل تثبيت المسلمين على منهج الله -تعالى- وإعانتهم على الثَّبات.

تدبّر الآيات التي تذكر عظمة الله وقدرته في الخلق
حثَّ الله -سبحانه وتعالى- عباده المؤمنين على التَّفكُّر في خَلقه، والتَّدبُر في آياته في العديد من المواضع في القرآن الكريم، ومن ذلك قوله -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)، وفي هذا الحثّ دليلٌ على أهميّة التَّفكُّر والتَّدبّر وما لهما من آثارٍ عظيمةٍ على تقوية العقيدة في نفس المؤمن وتَثبيتها؛ إذ لا يملك العاقل بعد النَّظر في الكون ومخلوقاته، ورؤية قدرة الله -تعالى- المُتجلِّية في كلِّ تفصيلةٍ من تفصيلات الكون، إلّا أن يشعر بالخُضوع لخالق هذا الكون ومُبدعه، وتسليم أمره له، والانقياد لمنهجه والثَّبات عليه.

وقد وجَّه الله -تعالى- النَّاس إلى مظاهر قُدرته، وأقسم بالعديد من مخلوقاته للدَّلالة على قدرته وتوجيه النَّاس إلى التَّفكُّر بها،وضرب العديدة من الأمثلة على ذلك، ومنه قوله -تعالى- في خلق الإنسان: (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)، وقوله في خلق السَّماء والأرض: (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ* وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)، وقوله في مُطلق قدرته -سبحانه وتعالى-: (إِنَّما قَولُنا لِشَيءٍ إِذا أَرَدناهُ أَن نَقولَ لَهُ كُن فَيَكونُ).

وبعد أن بيَّن مظاهر قدرته في الخلق والكون وأنَّ قدرته لا يحُدُّها شيء، قام بتوجيه النَّاس إلى عقيدة البعث واليوم الآخر؛ فمن قام بخلق الإنسان والسَّماوات والأرض وسائر المخلوقات ابتداءً لا يُعجزه أن يُعيدها مرّةً أخرى، قال -تعالى-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّـهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، لذا كان التدبّر بهذه الآيات وسيلة عظيمة لزرع العقيدة في نفوس المؤمنين.

تدبّر الآيات التي تَذكر عظم أجر المؤمنين
إنّ ممَّا يُعين المسلم على الثَّبات على الحقِّ تَذكُّره للأجر العظيم الذي أعدّه الله -تعالى- له، وما سيُلاقيه من جزاءٍ ونعيمٍ مقابل سعيه المستمر وجهاده لهواه وشهواته، لذلك كان لزاماً على المؤمن التَّفكُّر في الآيات التي تُذكِّره بهذا الجزاء حتى تثبُت العقيدة في نفسه ويَثبت على الحقِّ، ومن هذه الآيات الكريمة التي تُبشِّر المؤمنين بنتيجة صالح أعمالهم قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)، فكلَّما تدبَّرها المؤمن زاد حبّه وإقباله على عمل الصَّالحات والإكثار منها، وزاد ثباته على الحقِّ وتمسّكه به.

كما وصف الله -تعالى- في العديد من الآيات ِصفات الجنَّة التي ستكون من جزاء المؤمنين ليزداد حُبّهم وتعقلّهم بها، ويزداد سَعيهم إليها، ومن ذلك قوله -تعالى-: (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ).

كما أنَّ الجزاء الذي أعدَّه الله -سبحانه وتعالى- لعباده المؤمنين كان وسيلةً من وسائل مُواساة النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وسائر المؤمنين من بعده؛ فكلُّ ما يتعرَّض له المؤمنون في هذه الدُّنيا من ظلمٍ، أو قهرٍ، أو عُلوٍّ للظالم هو أمرٌ مؤقّتٌ وزائلٌ لا محالة، وأنَّ العاقبة الحُسنى بانتظار من ضحَّى، وصبر وبذل في سبيل الله -تعالى-، وما يتعرَّض له المؤمن من صعوبات ستنقضي بأمر الله -تعالى- ويحلُّ محلَّها نعيمٌ دائمٌ لا يزول.

تدبر الآيات التي تذكر بعقوبة وجزاء الظالمين
كما بشّر الله -سبحانه وتعالى- عباده المؤمنين بالجنَّة في العديد من الآيات، كذلك حذَّر أيضاً المنافقين والكافرين والظَّالمين ممَّا ينتظرهم من أصناف العذاب التي أُعدَّت لهم جزاءً على أعمالهم السَّيئة، وقد ورد هذا الوعيد في العديد من الآيات الكريمة، كما في قوله -تعالى-: (وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ نارًا أَحاطَ بِهِم سُرادِقُها وَإِن يَستَغيثوا يُغاثوا بِماءٍ كَالمُهلِ يَشوِي الوُجوهَ بِئسَ الشَّرابُ وَساءَت مُرتَفَقًا)، فكان هذا الوعيد بالعذاب ممَّا يحثُّ المؤمن على العمل الصَّالح ويُثبِّت العقيدة في قلبه؛ إذ إنَّ المؤمن كما يرغب بالثَّواب والنَّعيم، كذلك يرغب بإبعاد نفسه عن العذاب وعن كلِّ مُسبِّباته.

الإعراض عن الجاهلين والبعد عن مجالسهم
أمر الله -سبحانه وتعالى- عباده المؤمنين بالإعراض عن الجاهلين ومن يتَّخذ آيات الله -تعالى- هزواً، وأمرهم بتنُّجب مجالسهم وعدم مشاركتهم في أحاديثهم الباطلة، وذُكر ذلك في قوله -تعالى-: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّـهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّـهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)، إذ إنَّ مجالسة أمثال هؤلاء والاستماع إلى أحاديثهم يُعدُّ من الأمور التي قد تَفتن المؤمن وتُزعزع العقيدة في نفسه وتُوقعه في الإثم معهم، لذا كان في البُعد عنهم وعن مجالسهم تثبيتاً لعقيدته وحمايةً لها.

الدعاء لله بأن يثبت العقيدة في قلب المؤمن
إنّ مِن أهمِّ ما قد يفعله المسلم لتثبيت العقيدة في نفسه والثَّبات على الهداية والصَّلاح، سؤال الله -تعالى- والدُّعاء المستمرّ، وقد ورد الدُّعاء بالثَّبات على الهداية والصَّلاح في القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)، وفي هذه الآية دلالة على حثِّ القرآن الكريم للمؤمن على طلب الهداية وسؤال الثَّبات من الله -تعالى- الوهَّاب الذي يهب بقدرته ومَعونته الثَّبات للإنسان.

ويدلّ على أهميّة الدُّعاء بالثَّبات ما ورد عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه كان يُكثر من الدُّعاء بالثَّبات على الدِّين كما في الحديث: (يا مُقَلِّبَ القُلوبِ ثَبِّتْ قَلْبي على دِينِكَ وطاعَتِكَ، فقيل له: يا رسولَ اللهِ إنَّكَ تُكثِرُ أنْ تقولَ: يا مُقَلِّبَ القُلوبِ ثَبِّتْ قَلْبي على دِينِكَ وطاعَتِكَ، قال: وما يُؤَمِّنِّي؟ وإنَّما قُلوبُ العِبادِ بَينَ إصْبَعَيِ الرَّحمنِ، إنَّه إذا أرادَ أنْ يَقلِبَ قَلبَ عَبدٍ قَلَبَه، قال عَفَّانُ: بَينَ إصْبَعَينِ مِن أصابِعِ اللهِ عزَّ وجلَّ)، فدلَّ ذلك على أنَّ المؤمن مهما بلغ إيمانه لا يَأمن الفتنة لذا كان لزاماً عليه سؤال الثَّبات من الله -تعالى- والالتجاء إليه في كل آنٍ وفي كل حين.

تثبيت العقيدة من خلال قصص الأنبياء في القرآن
ذكر الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز العديد من قَصص الأنبياء السَّابقين وما لاقوه من أقوامهم من صُنوف التَّعذيب، وحال هؤلاء الأنبياء وثباتهم وقوَّة العقيدة في نفوسهم، ممَّا جعل من هذه القَصص وسيلةً بحدِّ ذاتها لتقوية العقيدة، وتثبيت الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- والمسلمين من بعده؛ إذ بيَّن الله -تعالى- مصير كلٍّ من المؤمنين، ومصير الكافرين الطُّغاة الذين تجبَّروا وطَغوا في الأرض، وأنَّ طُغيانهم زائلٌ لا محالة، لتبعث هذه القَصص بنهاياتها العادلة الطَّمأنينة في نفوس المسلمين، وخاصَّة المُستضعفين منهم، وتدعوهم إلى الثَّبات فإنَّ النَّصر آتٍ، وفيما يأتي بعض هذه القَصص التي تمَّ سردها في القرآن الكريم وبيان أثرها على الثَّبات:

قصة إبراهيم عليه السلام
تُعدُّ قصَّة سيدنا إبراهيم -عليه السّلام- مع قومه واحدةٌ من القصص التي فيها تثبيتٌ للمؤمنين وتقويةٌ لعقيدتهم؛ إذ إنَّه -عليه السَّلام- واجه جُحوداً وإنكاراً كبيراً من قومه تجاه الخالق -سبحانه وتعالى-، وحاجَجهم في صفات آلهتهم التي يعبودنها وبيَّن لهم أنَّها لا تملك لنفسها ضراً ولا نفعاً فضلاً عن أن تملك ذلك لمن يقوم بعبادتها، وقام بسرد العديد من الأدلّة على وُجود الله -تعالى- ووحدانيَّته وقُدرته، ولكنَّه لم يجد منهم آذاناً صاغية، فما كان منه إلَّا أن قام بتكسير آلهتهم المزعومة.

واستغلَّ هذا الموقف ليُبيِّن لهم عجز آلهتهم؛ فقال لهم إنَّ كبير الآلهة هو من قام بتكسير بقيَّة الأصنام، ليُوقظهم من غفلتهم وليبيّن لهم أنَّ الله -تعالى- وحده المُستحقّ للعبادة والطَّاعة، وأنَّ كلَّ آلهةٍ مزعومةٍ من دونه باطلة، ليُجيبهم قومه أنَّ هذا فعل آبائهم الأوَّلين، وليس لهم إلّا البقاء على ما اعتادوا عليه من المعبودات، وأنَّ الأمر غير متعلّق بالأدلَّة العقليَّة أو المنطقيَّة، وبدلاً من أن يُؤمنوا بما جاء به إبراهيم -عليه السّلام- ويَهتدوا بهديه مَكروا له وأرادوا معُاقبته، فأنجاه الله -تعالى- بقُدرته من مَكرهم.

ويُستفاد من قصَّة سيدنا إبراهيم -عليه السّلام- التَّأسي بثباته ورسوخ عقيدته؛ فبالرُّغم من كلِّ ما لاقاه من قومه من حجودٍ، وإنكارٍ، واستهزاءٍ، وكيدٍ، ومكرٍ؛ بقيَ ثابتاً راسخاً لم تهتزَّ عقيدته، ولم يمنعه ذلك عن الاستمرار في دعوتهم؛ بل على العكس كان -عليه الصَّلاة والسَّلام- كلَّما أَغلق قومه باباً في وجهه دخل عليهم من أبوابٍ متعدِّدة، وجرَّب معهم أساليب متنوِّعة لعلَّ الله -تعالى- يهدي قلب أحدهم، وحتى بعد أن غضبوا منه وهدَّدوه لم يُبالِ بتهديدهم لتوكُّله على الله -تعالى-، وبقيَ راسخاً قوياً ثابتاً على عقيدته ومبادئه، لتكون عاقبته النَّصر من الله -تعالى-.

قصة موسى عليه السلام
من القَصص التي تبُثُّ روح العزيمة والثَّبات في نفس وقلب كلِّ مسلم قصة سيدنا موسى -عليه السّلام-؛ إذ إنَّ الله -تعالى- بعثه إلى فرعون لدعوته إلى توحيد الله -تعالى- والإيمان به، ولكنَّه أبى واستكبر ولم يكتفِ بذلك، بل أرسل إلى سَحرته ليُعجز موسى -عليه السّلام- ويُظهر ضعفه أمام حيل السَّحرة، ومع ذلك بقيَ موسى -عليه السّلام- راسخاً ثابتاً واثقاً بوعد الله -تعالى- وأنَّه مُنجّيه، طالباً من السَّحرة أن يفعلوا ما شاؤوا من السِّحر، وقائلاً بكلِّ ثقة ما ذُكر في القرىن الكريم: (فَلَمّا أَلقَوا قالَ موسى ما جِئتُم بِهِ السِّحرُ إِنَّ اللَّـهَ سَيُبطِلُهُ إِنَّ اللَّـهَ لا يُصلِحُ عَمَلَ المُفسِدينَ)، ويتحقَّق ما قاله موسى -عليه الصَّلاة والسَّلام- فعلاً، ويُؤيّد الله -تعالى- نبيَّه بمعجزةٍ عظيمةٍ لينقلب السِّحر على السَّاحر ويؤمن السِّحرة، وليكونوا هم بذاتهم دليلاً على صدق موسى -عليه السَّلام- وما جاء به، ومُؤيّدين له.

ومن عظيم لُطف الله -تعالى- وقدرته أن جعل مكر فرعون دليلاً على صِدق موسى -عليه السّلام- ووسيلةً لتأييده ونصره؛ فبعد أن جمع الحُشود العظيمة وأتى بالسَّحرة ليتحدَّى موسى -عليه الصَّلاة والسَّلام- ويُظهر خسارته أمام الجميع، حدث ما لم يكن بالحُسبان وأصبح السَّحرة في صفّ موسى -عليه السّلام- ومن أتباعه، بل وقاموا أمام هذه الحشود الهائلة بالسُّجود فوراً لله -تعالى-، فكان سلاح فرعون وبالاً مردوداً عليه.

قصة نوح عليه السلام
بُعث سيدنا نوح -عليه الصَّلاة والسَّلام- إلى قومه ودعاهم إلى الإيمان بالله -تعالى- وتوحيده، وتَرْك كلّ ما يُعبد من دونه، وبقيَ في ذلك زمناً طويلاً، يدعوهم ليلاً ونهاراً، سرَّاً وجهاراً، ليُواجه بعدها بردودٍ قاسيةٍ وعنيفةٍ من قومه واستهزاءٍ شديد، وبدل الاستيقاظ من ضلالهم اتَّهموا سيدنا نوح -عليه السّلام- بالضّلال، قال -تعالى-: (قالَ المَلَأُ مِن قَومِهِ إِنّا لَنَراكَ في ضَلالٍ مُبينٍ).

فيرد عليهم سيدنا نوح -عليه السّلام- بكل حكمة وهدوء، ويُبيّن لهم رسالته كاملة، وأنّه يخشى عليهم من عذاب الله -تعالى- إن لم يهتدوا ويستجيبوا له، فكذّبوه وازدادوا طغياناً واستهزاء، ويزداد سيدنا نوح -عليه السّلام- ثباتاً وإصراراً. ليقوم في نهاية الأمر بطلب النّصر من الله -تعالى- على قومه وأن يُنجّيه منهم، فاستجاب الله -تعالى- لدعائه ونجّاه من الظالمين، وفي قصَّة سيدنا نوح -عليه السّلام- طمأنة للمؤمنين بأنَّ وعد الله -تعالى- لهم بالنَّصر والتَّمكين مُتحقِّقٌ ولو بعد حين.

تثبيت العقيدة من خلال قصص الصالحين في القرآن
ورد في كتاب الله -تعالى- بالإضافة إلى قَصص الأنبياء والمُرسلين، قَصصٌ للصَّالحين من عباده وثباتهم على الحقِّ والإيمان، فكان في قَصصهم الأثر الكبير في تثبيت العقيدة في نفس المسلم، ومن أبرز هذه القَصص ما ياتي:

قصة مريم عليها السلام
ورد في قصّة السَّيدة مريم -عليها السَّلام- العديد من الأمور التي تُظهر قدرة الله -عزّ وجل-؛ إذ إنَّ الإرهاصات -المُقدِّمات- التي سبقت مجيء سيدِّنا عيسى -عليه السّلام- وكيفيَّة حَملها به تُعدُّ من المُعجزات التي تُبيِّن عظمة الله -تعالى- وقدرته، وأنَّ الله -تعالى- على كلِّ شيءٍ قدير، وأنَّه فوق الأسباب والقوانين الكونيَّة؛ فكما حَملت السَّيدة مريم -عليها السَّلام- من دون وجودِ أسباب الحَمل الاعتياديَّة، فكذلك أيضاً الله -تعالى- قادرٌ على تحقيق كلٍّ أمرٍ وإن لم تَتواجد الأسباب والدَّواعي له، فإذا آمن المسلم بهذا صارت عقيدته قويَّةً راسخة، وواجه بعقيدته الصُّعوبات مهما بلغت.

ومن أبزر الأحداث التي تعرَّضت لها السَّيدة مريم -عليها السّلام-؛ اعتزالها لأهلها ومن ثمَّ تَمثُّل جبريل -عليه السّلام- لها على هيئة بشر، وطلبِها من الله -تعالى- أن يَصرف عنها شرَّ هذا الإنسان، ليُخبرها جبريل -عليه السّلام- عندها أنَّه مَلكٌ مُرسل من الله -تعالى-، ومن ثمَّ حملت السَّيدة مريم بسيِّدنا عيسى -عليه السَّلام-، وابتعدت به لمكانٍ قصيٍّ خشية أن يراها النَّاس ويتحدَّثوا عنها بسوء، وعند ولادتها لسيِّدنا عيسى -عليه السّلام- تحدَّث معها أثناء ولادته وطلب منها أن تهُزَّ الشَّجرة لتُسقط عليها الرُّطب وتأكل منها.

وبعد أن أتمَّت الولادة وواجهت قومها بوليدها انهالوا عليها باللَّوم الشّديد، وقالوا لها إنها جاءت من أسرةٍ عفيفةٍ لا يَخرج منها مثل هذه الأفعال، فما كان منها إلّا البقاء صامتةً وذلك لعلمها واطمئنانها أنَّ الله -تعالى- سيُدافع عنها، ويُنجِّيها ممَّا هي فيه، وكان هذا الإيمان نتيجة ما رأته من جميلِ فعل الله -تعالى- معها طيلة حياتها، فأيقنت أنَّ الله -تعالى- لن يَكلها لنفسها، وبالفعل تحدَّث عنها وليدها مرّةً أخرى مُبرِّئاً لها ومُطمئناً إيّاها في ذات الوقت، وأخبر القوم عن صفاته وأنّه نبيٌّ مرسلٌ من الله -تعالى-، وفي هذه القصَّة تبشيرٌ وتطمينٌ للمسلم أنَّ الله -تعالى- لن يتركه لوحده، وأنَّه مدافعٌ عنه، ممَّا يؤدِّي إلى سكون نفس المؤمن ورُسوخ عقيدته بالله -تعالى- وحُسن ظنِّه فيه.

قصة آسية بنت مزاحم
من القَصص التي تَشحذ الهمم وتُقوّي العزائم، وتدلّ على الصّبر، والثبات في العقيدة، قصَّة زوجة فرعون آسية بنت مزاحم، إذ كانت امرأةً مؤمنةً بالله -تعالى-، ولكنَّها تكتُم إيمانها، وبعد أن قتل فرعون الماشطة المؤمنة أظهرت إيمانها بالله -تعالى-، فقام فرعون بطلب والدتها، وهدَّدها بتعذيب آسية إن لم تكفر بالله -تعالى-، فضغطت أمُّها عليها لتكفر وتُنجِّي نفسها من العذاب، ولكنَّها رفضت وأصرَّت على الثَّبات على الإيمان.

فقام بعدها فرعون بتنفيذ وعيده وتعذيبها أشدَّ التَّعذيب حتى خرجت روحها لبارئها، وقبل أن تلفظ أنفساها الأخيرة طلبت من الله -تعالى- بكلِّ إيمانٍ وثبات أن يَبني لها عنده بيتاً في الجنَّة، قال -تعالى-: (وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، ليكشف الله -تعالى- عن بَصيرتها وترى ما أعدَّه الله -تعالى- لها فتضحك وهي تُعذَّب، فيظُنُّ فرعون عندها أنَّ جنوناً أصابها، ولم يعلم أنَّ ثباتها كان سبباً في فوزها ورؤيتها لِما أعدَّه الله -تعالى- لها جزاء صبرها وإيمانها.

قصة أصحاب الأخدود
أصحاب الأخدود هم مجموعة من المؤمنين قبل عهد الإسلام، ثبتوا على عقيدتهم بالرُّغم من العذاب الذي مورِس ضدَّهم، إذ إنَّهم خُيِّروا من قبل طُغاةٍ كفَّار ما بين الإلقاء في النَّار وترك عقيدتهم، ليختاروا النَّار على أن يتركوا عقيدتهم وما يُؤمنون به، فقام الطُّغاة بعدها بحفر شقٍّ في الأرض وإشعال النَّار فيه ومن ثمَّ إلقاء المؤمنين فيه تباعاً، ليموت الواحد منهم أمام الآخر في طريقةٍ تخلو من الإنسانيَّة والرَّحمة، لا لشيء إلَّا لأنَّهم تمسَّكوا بعقيدتهم، فكان في قصَّتهم عبرةٌ لكلِّ مسلم أن يصبر ويثبت على عقيدته مهما طال البلاء أو العذاب.

وممَّا يُذكر في هذه القصَّة أيضاً أنَّ امرأةً مؤمنةً ألقت بنفسها وولدها في الأُخدود وهي ثابتةٌ على إيمانها، بعد أن أنطق الله -تعالى- وَليدها في المهد وقال لها: "يا أمَة اصبري فإنَّك على الحقِّ"، فثبَّتها الله -تعالى- ومن ثمَّ قامت هي بتثبيت بقيَّة المؤمنين على الإيمان بفعلها، ورفعت من عزيمتهم لئلَّا يتزعزع إيمانهم، ولتُظهر لهم أنَّ حرقها لنفسها بل ولوليدها أهونُ بكثير من أن يترُك المَرء إيمانه ويتخلَّى عن عقيدته، إذ لا شيء في هذه الحياة يَبلغ مَبلغ العقيدة، ولو كان ذلك نفسُ المرء وولده.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :