جدلية قانون تنظيم مهنة المحاسبة
الدكتور حسام باسم حداد
02-01-2023 07:04 PM
في هذه الأيام تجتمع اللجنة القانونية لمجلس النواب لمناقشة القانون المؤقت لمهنة المحاسبة القانونية رقم (73) لسنة 2003 حيث يعتبر هذا القانون هاماً للمحاسبين والمدققين والأكاديميين على حد سواء. وفي ظل حساسية هذه المرحلة لهذا القانون يتوجب على صانعو القرار التريث عبر الفهم الكامل لحيثيات القانون قبل المصادقة عليه لكي يكون متوازناً لجميع الأطراف دون استثناء. حيث تُطرح على طاولة النقاش العديد من المواضيع الجدلية مثل الترخيص، والامتحانات، ترخيص حملة درجة الدكتوراه في المحاسبة دون امتحان، والاسم جمعية ام نقابة. ولكي يكون طرحنا متوازناً ندرج المحاور الأساسية لهذا القانون من وجهات نظر مختلفة ألا وهي وجهة نظر (المدققين والمحاسبين والأكاديميين) هذا لكي نتجاوز التحيز في الطرح لأي جهة على حساب الأخرى.
أولاً: الإطار القانوني للتشريع
مما لا شك فيه أن الاطار العام قد استمد الصبغة القانونية التشريعية الرسمية منذ إقراره في عام 1961 بقانون رقم (10) وبعد ذلك قانون رقم (32) لسنة 1985 حيث ما استدعى السلطة التشريعية على سن قانون تنظيم مهنة المحاسبة القانونية.
أ. فمن وجهة نظر المدققين: فإن مصطلح المحاسبة القانونية ينبثق من قانونية الأعمال التدقيقية على الأعمال المحاسبية التي بموجبها يستطيع المدقق إبداء الرأي القانوني والمصادقة على صحة وسلامة البيانات المالية المقدمة من قبل الادارة، ما يعزز الشفافية ويعطي قيمة للمنشآت والمساهمين.
ب. فيما يرى المحاسبون: أن الأعمال التي يزاولونها من حيث التعريف والتسجيل وإيصال المعلومات للمستخدمين المهتمين الداخليين والخارجيين تندرج ضمن الأعمال المحاسبية التي تضبطها المعايير الدولية وهناك فرق كبير ما بين المحاسبة والتدقيق حيث يبدأ عمل المدقق من حيث ينتهي المحاسب، وهنا يجد المحاسبون بأن المدققون قد استمدوا شرعيتهم من إقرار القانون بتغير الاسم من جمعية مدققي الحسابات القانونيين الأردنيين إلى جمعية المحاسبيين القانونيين الأردنيين، وهذا يعتبر انتهاكاً لاسم المحاسبين حيث تم الانتساب والتسلل عنوة للاتحاد الدولي للمحاسبين (IFAC) وذلك لإضفاء الشرعية على استخدام كلمة المحاسب دون النظر لمصلحة عشرات آلالاف من المحاسبين الأردنيين مكرسين مبدأ الإحتكار لمهنتي المحاسبة والتدقيق.
ج. أما الأكاديميون فيدركون بأن الشهادات المهنية العالمية لا تستخدم صراحةً مصطلح محاسبة قانونية ضمن مسميات الشهادات الدولية المهنية والأكاديمية، ولا يوجد أي مساق في خطة محاسبية مدرجة في الجامعات الأردنية يتم تدريسها ضمن اسم مساق محاسبة قانونية. وهنا فإن المواد التي تتقاطع مع القانون والتي يتم تدريسها بشكل مباشر في الجامعات تشمل: مادة الضرائب والمتعلقة بقانون ضريبة الدخل والمبيعات، القانون التجاري، والشركات والضمان الاجتماعي ومعايير التدقيق الدولية والمحاسبة الدولية والمعايير الدولية لإعداد التقارير المالية والابلاغ المالي وغيرها من المواد.
ثانياً: أساتذة الجامعات
فيما يخص أساتذة الجامعات فتتعدد وجهات النظر حيال حصولهم على ترخيص دون إجراء امتحان لهم
أ. يرى المدققين: أن قانون المهنة يشترط التفرغ للمهنة دائماً وأبداُ، وهذا لا يراعي التوجه العالمي الذي يحظر على أساتذة الجامعات من حملة درجة الدكتوراه في المحاسبة العمل في أي مجال آخر سواء في الاستشارات المالية أو المحاسبة أو تدقيق الحسابات لما له من تأثير على التعليم أولاً ويمثل تعارضاً للمصالح.
ب. ويجد المحاسبون: أن المدققون والأكاديميون هم محاسبون أساساً وهذا ما يقدم الأكاديمي على الفهم الشامل في بلورة التوأمة ما بين المهنية والأكاديمية على حد سواء.
ج. أما الأكاديميون فهم أولئك الأشخاص الذين يحملون درجة الدكتوراه في المحاسبة والذين يعملون في الجامعات ويخرجون الأجيال فيجدون أنفسهم أقدر الأشخاص على توظيف خبراتهم الأكاديمية ودمجها مع الخبرة المهنية وخير دليل على ذلك مؤلفو كتاب (Financial Accounting) وهم (Jerry J. Weygandt, Paul D. Kimmel, Donald E. Kieso) وجميعهم يحملون درجة الدكتوراه ويدرسون في جامعات (University of Wisconsin and Northern Illinois University) ويزاولون وهم على رأس عملهم الأكاديمي أعمالهم المهنية. وهذا يعني أنه لا يوجد تعارض مع النهج العالمي ولا حتى النهج الأردني الذي يسمح للطبيب بأن يمارس عمله الأكاديمي في كلية الطب ولا يمنعه من ممارسة دوره كطبيب في مستشفى وكذلك المحامي والصيدلي والمهندس فالمهنة علم ورسالة وممارسة. والشاهد في ذلك أن هناك عدداً من الأكاديميين الذين يعملون ويُعلمون بأقسام المحاسبة في الجامعات الأردنية الذين يدمجون ما بين العمل الأكاديمي والعمل المهني بوصفهم أعضاء في جمعية المحاسبين القانونيين الأردنيين، لذا فهذا حقٌ مكتسب لكل أكاديمي مهني.
ثالثاً: النقابة
لقد جاء نص المادة 16 واضحاً من الدستور الأردني في الفقرة 2 الذي يسمح" للأردنيين بحق تأليف الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور". و ينظم القانون طريقة تأليف الجمعيات والنقابات ويعمل على مراقبة مواردها.
أ. فمن وجهة نظر المدققين: فيجدون أن لهم الحق في الانفراد في تأليف نقابة تنظم شؤون المهنة نظراً لأن هناك حاجة ماسة لدعم الاقتصاد الوطني لتأليف نقابة (لمهنة تدقيق الحسابات) والتي تحمل اسم (جمعية المحاسبين القانونيين الأردنيين) أي المجازين فقط مستندين إلى الدستور المادة رقم 16 الفقرة ج.
ب. فيما يرى المحاسبون: أن هناك انتهاكاً واضحا وتغولاً على مهنة المحاسبة عبر سلبها من قبل المدققين الذين يستخدمون من اسم المحاسبة القانونية ذراعاً لإغتيال مهنة المحاسبة. فأعمال التدقيق يجب الا تقترن بالأعمال المحاسبية لضمان استقلال المدقق وشفافيته وتقليص أزمة الثقة، ماذا وإلا فإذا ما قام المدقق بإعداد الحسابات وتدقيقها فإن ذلك يقع حكماُ في إغتيال المهنتين على حد سواء. فالمحاسبون الذين يتجاوز عددهم المئة ألف يشكلون شريحة من المجتمع ويحق لهم أن يكون لهم نقابة تحميهم وتدافع عن حقوقهم، فليس من المعقول أن يتم إغفال دور المحاسبين الحقيقيين ويأخذ دورهم ببساطة.
ج. أما الأكاديميون فيطالبون بأن يكون هناك تنظيم مهني متوازن أسوة بسائر النقابات المهنية التي تجيز للأكاديمي بأن يكون عضواً في نقابته كما الأطباء والمهندسين والمحامين والصيادلة وغيرهم من المجالات.
رابعاً: الامتحانات والمزاولة
يخضع امتحان المهنة إلى قانون تنظيم مهنة المحاسبة القانونية رقم 73 وتعليماته لسنة 2003 حيث تلزم احكام الفقرة ب من المادة 30 منه الشركات المساهمة العامة والخاصة وذات المسؤولية المحدودة بتعيين محاسب قانوني مجاز في أي وظيفة رئيسية تتعلق بأعمال المحاسبة، حيث قامت الهيئة العليا لتنظيم مهنة المحاسبة القانونية في الأردن بإقرار تعليمات لجنة ترخيص المهنة رقم (1) لسنة 2004 والصادرة بمقتضى أحكام الفقرة (ب) من المادة (5) من القانون نفسه. وبموجب المادة (5) من تعليمات لجنة الترخيص فقد تم تشكيل لجنة لإجراء امتحانات المهنة. فجمعية المحاسبين القانونيين الأردنيين هي الجهة المسؤولة لتنظيم مزاولة مهنة المحاسبة القانونية (تدقيق الحسابات)، أما الامتحانات فيتم عقدها من قبل لجنة الترخيص التي يرأسها رئيس ديوان المحاسبة.
أ. من جانب المدققين: فيجدون أن الامتحان ضرورة تنشدها جمعية المحاسبين القانونيين وذلك لتأهيل المحاسب القانوني وقياس مدى قدرته من خلال اجتياز المتقدم (المحاسب) للورقة الأولى (المحاسبة المالية والتدقيق) والورقة الثانية (القوانين والتشريعات).
ب. أما المحاسبون: فيجدون أن هناك العديد من القضايا التي يتوجب نقاشها فيما يتعلق بالامتحان أولها الرسوم المرتفعة للامتحان والبالغة 250 ديناراً للورقتين ومع أن هذا يمثل إيراداً لجمعية المحاسبين القانونيين وليس لأي وزارة أو جهة أخرى، فإنه من الأجدر بجمعية المحاسبين القانونيين بأن يكون الامتحان أكثر شفافية كسائر الامتحانات المهنية العالمية عبر أتمتته وهذا ما يساعد على زيادة الشفافية ورفع نسب النجاح، فمثلاً وبحسب AICPAفإن نسب النجاح في امتحانCertified Public Accountant للعام 2022 في الورقة الأولى (48.61%)، والورقة الثانية (59.68%)، والورقة الثالثة (44.93%)، والورقة الرابعة (61.10%). وبالمقارنة مع نسب النجاح لإمتحان مهنة المحاسبة القانونية والمنشورة على موقع جمعية المحاسبين القانونيين الأردنيين فإن نسبة النجاح لدورة تموز 2022 بالمجمل للورقتين كانت متواضعة جداً حيث بلغت (12.3%)، فورقة القوانين والتشريعات (20.1%) وورقة المحاسبة والتدقيق (8%).
فكيف تسعى جمعية المحاسبين القانونيين الأردنيين لزيادة عدد المزاولين والإحصائيات بحسب موقع الجمعية تفيد بأن عدد الأعضاء المزاولين داخل الأردن في مجال التدقيق يبلغ 460 عضواً، وعدد الأعضاء المزاولين خارج الأردن في مجال التدقيق يبلغ 42 عضواً. بمعنى أن عدد المزاولين في مجال التدقيق يبلغ 502 عضواً. ومن جهة أخرى فإن عدد المزاولين في مجال المحاسبة داخل الأردن 81 شخصاً، وعدد الأعضاء غير المزاولين خارج الأردن في مجال المحاسبة يبلغ 30 عضواً أي أن مجموع المزاولين في مجال المحاسبة يبلغ 111 عضواً وهم من المدراء الماليين مثلاً والذين يحق لهم ممارسة أعمال المحاسبة والتدقيق في وقت واحد. فيما بلغ عدد الأعضاء غير المزاولين داخل الأردن 42 عضواً، وغير المزاولين خارج الأردن 27 عضواً. وبلغ عدد الذين انتقلوا إلى رحمة الله تعالى 95 عضواً. حيث يبلغ عدد المحاسبين القانونيين بالمجمل 682 عضواً داخل الأردن وخارجه. فالسؤال الذي يطرح نفسه هل هذا العدد كافي لإنشاء نقابة من حيث التمثيل؟ وهل هو عدد كافٍ لخدمة الاقتصادي الأردني؟ والتحكم في مصير الآلاف من المحاسبين الذين يتم السعي لتهميشهم بحجة الامتحان. ومن جهة أخرى، فإن زيادة نسبة نجاح المتقدمين للامتحان يلحق الضرر بالمدققين المزاولين لأن ذلك يقلل من حصتهم السوقية.
ج. فيما يطالب الأكاديميون: بأن يتم النظر في إجازتهم حيث أنهم يُدرسون في أقسام المحاسبة في الجامعات الأردنية كافة مواد المحاسبة والتدقيق وفق أحدث الكتب والخطط الدراسية والمناهج التدريبية، فهم باحثون أساساً برتب أكاديمية مختلفة (رتبة أستاذ وأستاذ مشارك وأستاذ مساعد) ولديهم العديد من الأبحاث المحاسبية العلمية المنشورة في مجلات علمية محكمة ولديهم استشهادات عالمية لأبحاثهم. فلا يجوز تهميشهم حيث إن التشكيك في مقدرتهم يعني التشكيك في مخرجات المهنة. فالمحاسبة علم في الأساس وكافة الامتحانات تعتبر اختباراً للمعرفة العلمية التي يمتلكها المتقدم، فهل تشكك لجنة الترخيص في قدرات معلميهم؟ علماً بأن هناك العديد من دول العالم التي تمنح إجازة مزاولة المهنة مكتفية بالمؤهل العلمي الأعلى درجة الدكتوراه.
برأيي، وبعد عرض وجهات النظر المختلفة لا بد للجنة القانونية لمجلس النواب التي تناقش القانون المؤقت لمهنة المحاسبة القانونية أن تأخذ بعين الاعتبار وجهات النظر السالفة الذكر بوصفها نقاطاً مفصلية تؤثر على هيكلية مهنة المحاسبة ومستقبلها. لذا فإن الحوار مع جميع الأطراف حاجة ملحة في هذه المرحلة ويتوجب التريث في المصادقة على اصدار القانون قبل إكتمال الصورة.