facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




لكي نعرف وصفي التل


اللواء محمد البدارين
12-12-2023 12:55 AM

ككل عام ، مرت ذكرى وصفي التل ، هذا العام : خطابات التحسر ، نداءات له للخروج من القبر ، وقصص عنه تتكرر ، مع أنه ضد التكرار ، وبعد ذلك ، ينصرف الجمهور لاستئناف الروتين التذمري المعتاد ، حتى العام القادم ، فلا احد يريد ان يكون واحدا أو واحدة من اولئك الالف او المئة أو العشرة الذين قال وصفي انه واحد منهم ، بل يصل للقول كهوغو ، حتى لو كانوا واحدا مجرد واحد فقط ، لكنت انا هذا الواحد الذي يواجه الطغيان ، انه يعرف تماما ويعترف مسبقا ، انه يعمل ضد مصلحته الشخصية ، لكنه يفتخر انه يقدم المصالح العمومية على مصلحته وسلامته الشخصية.

وهو يكشف عن نفسه سلفا ، ويفرّق بين نفسه وبين سليمان النابلسي وشفيق ارشيدات ، ويكتب الى رفيقهم عبدالحليم النمر ، شارحا ( الفرق بيني وبين أشكال الزعيم مع حفظ المقام والمنصب أنهم يريدون نصرا على الورق وهزيمة للاعداء بالكلام ، وانا اريده نصرا حقيقيا بالفعل والواقع… سيهتف الزعيم ومعه شفيق تسقط المؤامرات ، اما انا فاعتقد ان الوضع من الخطورة والاهمية بحيث لا يعالج بكلام يسقط ويعيش ولا بتملق الشارع ومن ثم جره الى الكارثة ) وتبعا لهذا التقدير الاستباقي المختلف ، سنفهم لماذا عارض بكل شدته التورط في حرب حزيران ، وكيف ضحى بمنصبه في رئاسة الحكومة ، لتجنب الانزلاق انذاك.

اما في الاقتصاد ، فهو يعلن من اول ايامه في الحكم ، التزامه بالاقتصاد الحر ، لكنه لا يفرط أبدا بمركزية دور الدولة في التخطيط والتوجيه ، ويشرح ، بأن الحرص على اجتذاب رأس المال وتشجيع الاستثمار ، لا يعني أن يتصرف رأس المال على خاطره ، فمهمة الحكومة عنده ان تراقب الإنتاج وتنوعه وتتأكد من جودته واسعاره ، وتمنع الاحتكار والاستغلال والرداءة ، وتمتنع عن الترخيص للاستثمار المتشابه المتضارب مع بعضه بعضا ، ويقول انه كلما تبين ان هناك استغلال او احتكار ، على الحكومة ان تدخل السوق بنفسها ، وهو يعرف ايضا ان السوق يمكن أن تعاني من الازدواج الضريبي والضرائب المتشابهة ، فيلغي على وجه السرعة كل الضرائب الضارة والمتكررة ، ثم لا ينحاز لطرف في السوق ضد آخر ، فمن حق المستثمر ان يربح ومن حق الدولة ان تحصل على الضريبة ومن حق المستهلك ان يحصل على سلعة جيدة بسعر منطقي ، وينجح بالفعل في إفشال عمليات الاستغلال والاحتكار في السوق ، أنه يؤمن بوعي عميق جدا ، بما يسميه الاقتصاد الحر الموجه ، اوالطريق الثالث.

ويحاضر ، متمكنا ، حول الاشتراكية والرأسمالية ، ويكشف عن التطبيقات غير الحقيقية لكلا النظريتين في العالم ، فهو يعرف أن ليس كل من ادعى الاشتراكية اشتراكيا ولا كل من ادعى تحرير السوق حرا اقتصاديا ، أنه معني بالواقع الفعلي لا بالمعلنات الخادعة ، ويستطرد في الشرح احيانا ، مشبها نهج الأردن الاقتصادي في عهده بالنهج الاقتصادي في الدول الاسكندنافية ، فلا هو اشتراكي متطرف ولا ليبرالي متطرف ، انه الاقتصاد الحر الموجه ، ويرى ان العالم لن يبقى اشتراكيا او رأسماليا الى الابد ، ويقول نحن نؤمن بالخط الثالث ونعتقد ان الدنيا لن تظل لا مثل شيوعية الصين ولا مثل راسمالية الولايات المتحدة ، الدنيا تقترب من خط ثالث شبيه بالنهج الاسكندنافي ، رافضا بالطبع ان يتسلط رأس المال على الدولة ، واذا كان لا بد لطرف ان يتسلط على طرف اخر ، فالدولة برأيه هي الأولى بالتسلط ، أما موقفه من الاقتراض ، فإنه يقول ، ان كل قروض العالم و مساعداته ، لا تكفي لبناء الوطن وتشييده ، وانما يبنى الوطن بعرق المواطنين وعزائمهم .

ويرى ان الدولة بمفهومها الحديث يجب ان تكون رائدة ومنسقة للعمل الوطني العام ، فالإنسان الحديث برأيه يريد من الدولة أن تكون إطارا عاما ينسق حصيلة كل المجهودات والانتاجات الروحية والمادية والفكرية التي ينبض بها كيان كل مواطن او تنتجه يداه ، وفي هذه الحالة كما يعتقد تصبح الدولة رمزا فعالا لكل مواطن فيها ويساهم في عونها ودعمها وهدايتها ومراقبتها ، اي انها تصبح كيانا حيا ، وواجب هذا الكيان الحي أن يسعى بشكل مستمر للوصول بالوطن والمواطنين إلى مرتبة الغنى الروحي والمادي ، وخلق المناعة والقوة الذاتيتين اللتين تحميان هذا الغنى ، وبعكس ذلك تصبح الدولة كيانا ماديا رهيبا لا صلة بينه وبين المواطنين ، سرعان ما يتعثر ويفقد معناه.

وبكل ايمان ، يفهم وصفي مشروع الدولة الاردنية على انها استمرارية للثورة العربية الكبرى ورسالتها واهدافها في الوحدة والتحرر والنهوض والانعتاق ، ولذلك فهي مشبعة بالمناعة الذاتية ، استنادا لمرتكزاتها التاريخية ورمزية قيادتها الهاشمية ، ويرى ان هذه الدولة رغم الصعاب فقد اثمرت مسيرتها ما يشبه الاعجوبة في المجالين الروحي والمادي ، ومن منطلق إيمانه هذا سيعارض حكومات اخرى جاءت بعده ، حتى وهو عضو في مجلس الاعيان ، وسيحجب الثقة عن قانون الموازنة العامة مرتين متتالين ، عامي 1969 ، 1970، ملقيا بكل ثقله ضد حكومة ذلك الزمن ، وسيتهمها في خطاب حجبه للثقة عن الموازنة بتمييع الدور الطليعي للأردن ، وأنها تحولت للاستجداء الفكري ، ويصفها بانها عديمة الولاء للوطن ورسالته ، ويأخذ عليها لهاثها وراء الحل السلمي ووراء التوهمات السرابية للحل الذي لن يأتي ، وسيلاحظ ان تلك الموازنات التي حجب الثقة عنها ، انعكاس لخواء الحكومة التي لا تعرف خطتها ولا طريقها ، ويؤكد ان الحكم ليس واجهة نفوذ واستغلال بل هو عمل وقدوة ، وعندما تميع الامور ويتفشى الاستهتار في مستويات الحكم ، تنتقل وتتفشى هذه الميوعة خارج الحكم ، وعندها لا نستطيع ان نلوم من هو خارج الحكم على تفشي نفس العيوب التي يعاني منها الحكم نفسه.

اما حين يعود الى الحكم ، بعد ذلك ، فسيشرح بدقة مفاهيمه للحكم الحديث والتزامه بشرعة حقوق الانسان الاممية ، وسيلاحظ ان العرب حين يتحدثون عن حالة التخلف يعممون ، فلا احد يتحدث عن مظاهر التخلف واسبابه في بلده ، ويقول اننا في الاردن نحمل من التخلف مثلما يحمل اخواننا ، ولذلك على الحكم ان ينزع عن الحياة الاردنية كل ثيابها البالية ويعيد خلق الحياة والانسان ، وخلق الدولة الحديثة في الاردن المعاصر ، وسيقرر في بيانه الوزاري ان لكل مواطن حق التعليم والرعاية الطبية والطريق والماء والكهرباء والهاتف والخدمة البريدية ، اما حق المواطن في العمل فهو كحقه في الحياة والحرية ، ويذهب الى حد ضرورة تسهيل ان يكون لكل مواطن بيت ، وتوزيع قطع اراض للجادين في العمل على استغلالها ، بصورة قابلة للتأكد والمراقبة.

ويؤكد بوضوح على رسالة الحكم وفلسفته في الاردن ، ويرفض ان يتحول دور الاردن في العالم العربي ، الى دور المنفعل أو الاتكالي ، ويقول يجب ان لا نتردى في مواقف تجعل من السهل حتى على أولئك الذين ثبتت إدانتهم وانكشف فقرهم الخلقي والفكري ، ان يتهموننا بما ليس فينا ، ولا من شيمنا وخصائصنا ، وحين يصل الى قضية الفكر السياسي سيقول انه لا يريد الوقوع في العقدة التي تطرحها كلمة الشباب ، فالانتماء الفكري ليس مرهونا بسن معين او فئة او طبقة معينة من الناس.

ويضيف في بيانه، إن اسوأ أنواع الحكم في هذا العالم هو ذلك الذي لا يعرف ما يريد ، ولا يمتلك اهدافا يسعى الى تحقيقها ، عندها يتحول الحكم الى عصابة او الى تكية للتنابلة او الى اضحوكة وهزؤة في اعين الكثيرين ، وليس غير الفكر والمعرفة وسيلة لتحديد أهداف الحكم ورسمها وقيادة خطاه نحو تحقيقها على أساس راسخ من الوعي والفهم التقدمي ، فاخطر الافات التي تؤدي عادة الى تأكل الحكم في اي بلد هي التقوقع والتحجر ، فهما خير سماد يساعد على تكاثر الفساد واستشراء الانتهازية وانتشار الارتزاق وتمرد الجهل وتسلط الانحراف.

واخيرا ، لقد بذل المرحوم حسن التل ، جهدا ربما يكون فرديا ، في جمع ما تمكن من جمعه من أوراق وصفي التل ، وأصدر المرجع التوثيقي الوحيد عن فكره وسياساته ، لكن هذا المرجع الذي تزيد صفحاته عن 500 صفحة من الحجم الكبير ، يحتاج الى إعادة إصدار بطبعة جديدة منقحة ومصححة ، والى تبويب فصوله وموضوعاته بشكل اكثر دقة ، لكي يكون سهلا على اي قارىء ان يقترب من عالم وصفي وفكره وطروحاته ، وعندها يمكن تحويل فكر وصفي الى موضوعات قابلة للاطلاع والبحث والجدل ، والاستفادة منها كمرتكزات تقدمية حقيقية في العمل العمومي ، وتلك مهمة يمكن أن تتولاها جهة ما رسمية او غير رسمية ، ذات علاقة بالفكر والثقافة والسياسة في البلاد ، فكثيرون لا يعرفون وصفي بشكل موضوعي ، ويتساءلون أحيانا ، لماذا بقي هذا الرجل حيا في ذاكرة الناس.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :