الثقافة والشباب 4: الشغف والمسؤولية
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
26-11-2024 12:42 PM
اميل لتعريف الشغف بانه الرغبة الشديدة والحماس لحدث او شخص او شئ ما و من منظور علمي فإنه الشعور الناشئ عن افراز كميات من الدوبامين عند توقع مكافأة او متعة او سعادة. أهمية الدوبامين و بالتالي الشغف الناتج عنه انه يعطي التركيز و الانتباه و الدافعية القوية و القوة لكنه بالمقابل يؤثر على قدرة المعالجة المنطقية. أقرب مثال الوقوع في الحب او الحماس لوظيفة جديدة أو الرغبة في مغامرة ما فكلها يدفع افراز الدوبامين الى الحماس و الاستعجال و التحمل و لكنه بالمقابل يحجب التفكير المنطقي و الذي ينقشع بعد ان تبدأ موجة الشغف بالتلاشي. فتجد الخاطب و العاشق متحمس و لكنه يغفل التفاصيل في الاختلافات و التي ما ان يتزوج او تمر فترة الا و تظهر تباعا و بما ان الدوبامين يبدأ بالتلاشي يبدأ الملل و فقدان الشغف.
الموازي للشغف هو المسؤولية و هي القائمة على الثبات و الانضباط و الاستمرار و معالجة كل ظرف بحكمة. فمثلا الزواج لا يقوم فقط على حالة الشغف و لكن على مسؤولية انشاء مؤسسة أسرة و مواجهة المصاعب معا و حل الخلافات من أجل أهداف أكبر هي الاستقرار و الابناء.
للتوضيح فإن البعض قد يترك وظيفة آمنه توفر له دخل مناسب و يجري وراء شغفه بوظيفة أخرى ليجد أنها لا تناسبه بعد أن يتلاشى الشغف.
المقصود هنا أنه اذا تلاقى الشغف مع المهنة و الحياة فهذا افضل خيار و هو أن يعمل الشخص في المجال الذي يحقق شغفه و ينتظم مع الاشخاص الذين يتوافقون معه عقليا و اجتماعيا و لكن ان لم يتوفر ذلك فلا بد من التعامل مع متطلبات الحياة كواقع يحتاج الانضباط و الاستمرار و مع الشغف كهواية و هنا يأتي دور الارادة التي تحدثنا عنها في المقال السابق بأن نكون قادرين على مقاومة شهواتنا و عواطفنا لتحقيق ما هو أفضل.
فقدان الشغف من أصعب الاشياء و هو منتشر في مجتمعاتنا للاسف نتيجة عوامل عدة اولها عدم التمييز بين متطلبات الواقع و ابقاء وقت خاص للشغف كهواية و آلية استعادة للطاقة و المتعة اي اعادة شحن بطارية الحياة. العامل الاخر في فقدان الشغف هو الروتين يمسي فيه الفرد حبيس حلقة مفرغة بنفس الاماكن و الاشخاص و الاحداث و حتى الاحاديث التي يعاد اجترارها دون تغيير. العامل الثالث هو التشكي و التذمر المتكرر بدل محاولة خلق متع من الواقع مهما صعب و قد يكون ذلك اسهل قولا منه فعلا و لكن نرى الكثيرين بظروف صعبة يجدون اوقات للفرح و التغيير. العامل الرابع برأيي هو المحيط ان كان ممتلئ بالطاقة السلبية من الافراد الذين يحاولون استغلال الاخرين او التصيد لجملة او كلمة او التباهي على الاخرين و رايي دائما انه ان لم تكن في محيط معزز ان تبتعد قليلا و تصنع لك محيط محدود معزز و ايجابي ترتاح معه فالتعامل مع افراد تتوافق برمجتك العقلية معهم يحفز افراز هرمون الاوكسيتوسين و الذين يعزز الهدوء و الراحة و الرضا.
بما اننا نخاطب جيل الشباب الباحث عن طريقه في الحياة فإنني أعيد التاكيد انه ان اجتمع الشغف مع التخصص او العمل المناسب فإن ذلك هو الطريق للابداع و المتعة و الانجاز و يبدأ ذلك باختيار التخصص الذي يجد نفسه و يستمتع به و يهواه و بناء مهنته على اساسه و ليس على المظاهر الاجتماعية او الضغوط الاسرية فكم شاعر او كاتب مبدع ذهب لتخصص علمي لارضاء المحيط و كم عقل تحليلي رياضي مبدع ذهب للطب فقط للمظهر الاجتماعي و كم هاوي للتجارة و ريادة الاعمال ذهب لتخصص لا يحبه بسبب الضغوط الاسرية لذلك فإن اول خطوة للحياة السعيدة و المليئة تبدأ من اختيار التخصص الجامعي. كما اؤكد لجيل الشباب و الحائر في هذه الايام بين اتباع شغفة او تحقيق مهنة ناجحة انه ان كان لا بد ان يختار فإن الحياة الواقعية تفرض المهنة الآمنة بدخل جيد لبناء حياة و هذه تحتاج ثبات و انضباط و استمرار مع اقتطاع جزء من اليوم للشغف كهواية تعيد الشحن و الطاقة الايجابية.
جميعا نعرف ان الشباب في مرحلة ما سيدخل في صراع مع الواقع فهو سيتخرج ليواجه الحياة بدون سند قوي (مع بعض الاستثناءات) و لكن هنالك مثل وجدته مفيدا و اكتبه كما هو (طولة البال تهد الجبال) اي ان الصبر و المثابرة و العمل الجاد و الامل لا بد ان يعطي ثماره حتى لو تأخرت. و اختم بأن أؤكد على الصحة الجسدية بالتمارين الرياضية و التي تساعد على افراز السيروتونين الذي يعزز الثقة بالنفس و الارادة و الاندورفين الذي يعزز الهدوء و تحمل الالام و المصاعب.
دمتم بود