فلسفة شتوية1: غريزة البقاء و البحث عن السعادة
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
26-02-2025 11:26 PM
منذ الاف السنين و الانسان يبحث عن السعادة أو هكذا يبدو و في الحقيقة أن اننا نبحث عن معنى للحياة و اسباب تجعلنا نصحو صباحا و ننطلق في يومنا.
العقل الباطن مصمم غريزيا للبقاء و ليس للسعادة و نتج عن ذلك ان كل ما يساعد في البقاء سيعطي متعة متكررة و رضى أو سعادة طويلة الأمد في حين أن ما لا يخدم برمجة البقاء سيعطي متعة عابرة و سعادة قصيرة الأمد يتبعها الشعور بالفراغ و احياناً التوتر أو الملل. ما يخدم البقاء هي الاهداف التي تحمل قيمة و معنى فمثلا عند الجوع يحفز العقل الباطن البحث عن الطعام و يحفز متعة تناول الطعام و سعادة الشبع و هذه تتتكرر لانها تخدم هدف البقاء و ينطبق ذلك على أمثلة أخرى مثل شرب الماء الذي يمثل متعة و رضى للعطشان و كذا العلاقات الزوجية و كذا الحصول على الامن و الاستقرار و الانتماء لمنطقة أو مجموعة.
اذا العقل الباطن مبرمج للاهداف التي لها معنى و قيمة و ليست المجردة لذلك فإن المال و الشهرة و السلطة و المنصب و العلاقات كلها ان تجردت من المعنى اعطت متعة و سعادة عابرة يتبعها خواء مزعج. اذا لا نستغرب ان يشعر المشاهير و رابحوا اليانصيب بالتعاسة ان خلت حياتهم من معنى.
السر يكمن في ايجاد او صياغة معنى لاهدافنا فكل هدف قد يكون مجرد و قد نصنع له معنى فالعقل الباطن لا يميز بين الحقيقة و الكذب و بين الواقع و الخيال و هذا مدخلنا لإعادة برمجته او الاستفادة من برمجته الموجود. مثلا الحصول على المال ان كانت مجردة نعطيها معنى بأن تكون للاعتماد على الذات و مساعدة محيطنا و الشهرة نعطيها معنى بأنها لنشر رسالة ثقافية و محتوى مفيد و العلاقات نعطيها معنى بأنها لتكوين أسرة و التناسل و الذي هو أهم وسائل استمرارية البقاء بالنسبة للعقل الباطن و السلطة نعطيها معنى بأنها لنشر العدالة الاجتماعية و نصرة الطبقات المهمشة و هكذا. طبعا الاجدر أن تكون هذه المعاني هي أهدافنا الحقيقية لكن حتى ان لم تكن خصوصا في جيل الشباب لنعطيها ذلك المعنى لنحصل على المتعة المتكررة و السعادة المصحوبة بالرضى.
السير عكس برمجة العقل الباطن هو معركة خاسرة مسبقا فنحن نتحدث عن برمجة ورثناها عبر الاف السنين و تأصلت بتشابكات و سيلات عصبية و توازن كيميائي.
قد يختار البعض أن يقفز عن كل ذلك بالزهد او التدين او حمل فكر انساني نبيل و ذلك خيار اذا لم يصاحبه تطرف او تعصب.
لفهم ما سبق أذكر أن العقل الباطن مسؤول عن خمسة و تسعون بالمئة من حياتنا اليومية و يتحكم بالسلوك و العواطف و الانفعالات و الاحاسيس و المواهب و الاعتقاد و الذكريات و غيرها الكثير.
العقل الباطن تتشكل برمجته في السنات السبع الاولى للطفل حيث يكون بمثابة لوح ابيض يكتب عليه الاهل و المحيط البرمجة التي سيعيش بها الفرد باقي حياته ما لم يبذل جهد لاعادة البرمجة لاحقاً.
بعد سن السابعة يبدأ العقل الواعي بالتشكيل و يصبح حاجزا بين المحيط و العقل الباطن و لذا نجد في سن المراهقة أن الفرد في صراع بين ارادته و ارادة المحيط سواء الاسرة او المجتمع او حتى القوانين و ذلك الى ان يكتمل العقل الواعي و يحسن السيطرة و التحكم ضمن الحدود التي يسمح له بها العقل الباطن بالبرمجة التي اكتسبها من البيئة الاجتماعية و الثقافية و بما تناقلته جيناتنا عبر آلاف السنين.
الخص و اقول ان فهم الية عمل العقل الباطن و برمجته بطريقة سليمة و قبول ما ورثناه من غرائز قد تجعل حياتنا اليومية اقل معاناة و اكثر متعة و رضى.