طرح رئيس جامعة اليرموك للتعليم الطبي
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
08-03-2025 10:35 PM
إن كان الطب مقصود أو مشمول في طرح رئيس جامعة اليرموك بالاستفادة من الخبرات العملية بدل الاعتماد الحصري للشهادات الاكاديمية فإنها خطوة كارثية ستؤدي لتدمير الطب و تراجعه برأيي الشخصي.
التعليم الطبي يهدف لبناء آلية تفكير ليتعامل الطالب من خلالها مع المشكلة الطبية باحتمالات التشخيص الصحيح و كيفية استثناء كل تشخيص الى ان يصل للتشخيص و العلاج المناسب. هذه الية تحتاج معرفة طبية نظرية عميقة و شاملة و تختلف تماما عن الاجتهادات العملية.
حجم المآسي التي أراها يوميا من الاجتهادات العملية غير العلمية الاصل ان نحاربها و نهمشها لصالح معرفة علمية اوسع و اشمل لا أن نعززها و نفتح لها آفاق.
ليس مطلوب من الطالب ان يعرف التشخيص او العلاج فهذا ما يتعلمه لاحقا خلال تدريب الاقامة لكن المطلوب منه ان يعرف كل الاحتمالات و كيفية استثناء او اثبات اي منها من خلال السيرة المرضية و الفحص السريري.
سأعطي مثال بسيط للتوضيح: لو اخذنا صورة رنين للعمود الفقري لمئة فرد لا يشكون من الم فإن ما يزيد على النصف منهم سنجد عندهم انزلاقات غضروفية و بعضها كبير او متوسط. من الناحية العملية فإن الكثير ينصح لهم بعمليات و هذا ما نراه يوميا أما من الناحية العلمية فإن تلك الانزلاقات لا أهمية لها. عندما يصاب المريض بألم و يجري رنين مغناطيسي فإن كل التي كانت موجوده و ليس لها اهمية فهي من الناحية العملية اسباب للالم لكن من الناحية العلمية فإن هنالك الية تفكير من السيرة المرضية و الفحص السريري هو ما سيحدد الدسك المهم و الذي قد يكون اصغرها و هذه تحتاج معرفة نظرية عميقة و متابعة احدث ما نشر علميا و هذه بدون مجاملة لا تتوافر مع الممارسين فقط بدون مهتمين بالبحث العلمي و التعليم الطبي. هذا فقط مثال و لكن هنالك كم هائل من هذه الامثلة التي نراها يوميا.
الشهادات الاكاديمية ليست فقط شهادة بل هي تدريب على الية تفكير و الية بحث علمي و إلزام بمتابعة التطورات العلمية و هذه هي روح العملية التعليمية للطلاب.
لقد طرحت سابقا و طرح غيري آليات لتطوير التعليم الطبي بحيث يفتح آفاق جديدة لتعليم طبي أفضل و ممارسة طبية أفضل و فرص افضل للاقامة الطبية في الغرب و لم يؤخذ بها لتتفاجأ اليوم بطرح برايي كارثي على التعليم الطبي و انحدار حقيقي بالمستوى الطبي ان تم تطبيقه. استغرب مثل هذا الطرح في الوقت الذي وضعت فيه معيقات امام معادلة شهادات الزملاء من حملة البورد الامريكي والذين مروا بتدريب علمي و عملي مضني و حقيقي و لا يجوز ان يطلب منهم تقديم امتحان و كأنهم خريجون جدد.
اذكر انني في احدى المقابلات مع رئيس جامعة اليرموك الاسبق طرحت اقتراح لفتح آفاق للطلبة في امريكا و كان الرد محبط. للامانة هو رئيس اسبق و ليس الرئيس الحالي الذي لم التقيه و لا اعرفه شخصيا.
الملخص انه ما هكذا تورد الابل و لا يجوز التعديل في التعليم الطبي باجتهادات فردية فما نراه يوميا من مآسي تكفي ان نقول ابتعدوا عن الطب او ادعموا ما يحسن التشخيص و العلاج و اتخاذ القرارات الطبية المناسبة برفع الية تفكير الطلبة. أما اذا كان المقصود الاستفادة من الخبرات العملية في القطاعات الصحية الاخرى من خلال تدريب الطلاب جزئيا في تلك المستشفيات فهو قائم اساساً و يمكن تقييم تجربته.
أختم بالقول انه من خلال تجربتي في الدول الإسكندنافية فإن هنالك شرط اضافي على الشهادة العليا السريرية للحصول على الدرجة الاكاديمية و هي الحصول على دكتوراه من خلال برنامج متوازي مع التدريب السريري ليحصل الاكاديمي على درجة Dr Med و هذه أفادتني شخصيا بالتدريب على البحث العلمي و الانتاج العلمي السريري و التجسيير بين البحث و العلوم الاساسية و السريرية.
كنت اتمنى ان يكون الطرح بإضافة سنه بعد او مع الدرجة العليا (و ليس البكالوريوس او ما اشبه) مخصصة للبحث و الانتاج العلمي و التدرب على التفكير النقدي كما في تلك الدول (للتوضيح تشترط الدول الإسكندنافية 3 سنوات) و ليس التساهل بالمتطلبات للاعتراف بالدرجات الاكاديمية.