منزلة القرآن الكريم وإعجازة
د. ضرار غالب العدوان
27-03-2025 12:32 PM
لقد عرف المسلمون من سلف هذه الأمة وخلفها منزلة القرآن الكريم وعظمته ، والذي تقام عليه دعائم الدين الاسلامي الحنيف ، لذلك أولوه جل أهتمامهم وعظيم عنايتهم - فهماً وتدبيراً، تلاوةً ودراسةً، سلوكاً وتطبيقاً- ولم ينفكوا عن ذلك الأمر أناء الليل وأطراف النهار - يسبرون غوره ، وميلوله وأعجازه - فترى قوماً قد أعتنوا بحروفه والفاظه ومعانيه، فبينوها أجمل بيان، ورجحوا أحداها ليصلوا إلى ما هداهم إليه - تبارك وتعالى - من توفيق وصواب وسداد.
وفي الوقت ذاته نلمح قوماً آخرين ، قد غاصوا في أعراب أسمائه وأفعاله وحروفه وكلماته ، وتبيان حقيقته ومجازه ، وكشف إيجازه وإعجازة ، وتوضيح بلاغته وبديعه ، وحسن نظمه وسياقه ، وقد جاهد آخرين على دراسة فقه وأحكامه وأدلته وشواهده، وغيرهم أهتموا بضبط لغاته وتحرير كلماته ورسمه، وعدد آياته وسوره وأجزاءه وأنصافه وأرباعه.
مثلما تأملت طائفة أخرى منهم معاني خطابه ، وتبحروا في كشف مدلولاته من نصف ظاهر ومجمل محكم ونسخ متشابه ، بينما أحكمت طائفة أخرى منهم معاني خطابه، وتبيان مقاصده وغايته الحكيمة وقد أحكمت طائفة أخرى - أيضاً - صحيح النظر وصادق الفكر ، لما فيه من أدلة الأحكام من حلال بين وحرام باطل ، وقد تميز آخرون في سبر غور قصص القرون الخالية والأمم العابرة ، فنقلوا أخبارهم ، ودونوا وقائعهم وآثارهم ، وتنبهوا لما فيه من المواعظ والحكم والأمثال ، التي ترفق الأفئدة وتدك شوامخ الجبال الراسيات ، وذلك من تحذير وتبشير ونشر وحشر وحساب وثواب وعقاب.
ومن المهم أن أشير هنا إلى أن القرآن الكريم هو الآية الأولى لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو معجزته الكبرى التي قدمها لعامة الناس ، وأعتبره دليلاً على نبوته وعمومية رسالته للعالمين، وإن القرآن الكريم هو وحي الله - جل جلاله - إلى نبيه الكريم ، فهو كلام الله سبحانه وتعالى ، وليس من تأليف سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - على الإطلاق، وإنما أقرار برسالة محمد عليه الصلاه والسلام ، وأن الله - جل جلاله - قد بعثه رسولاً ونبياً ورحمة للعالمين.
ومما لا شك فيه ولا ريب يعتريه أن القرآن الكريم قد تحدى باعجازه الكافرين ، وطالبهم أن يقدموا من بيانهم وكلامهم مثله، أو على الأقل عشر سورة منه ، أو الإتيان بسور مثل القرآن الكريم في بيانه وبلاغته وفصاحته ولكنهم لم يستطيعوا فعل ذلك الأمر ، ولهذا عجزوا عن معارضته ، ووقفوا عاجزين أمامه، وبذلك كان القرآن الكريم معجزاً لهم، وهذا هو معنى إعجاز القرآن الكريم.
وبناءً عليه ، نستطيع القول إن إعجاز القرآن الكريم كان الوسيلة إلى إثبات النبوة ، وآية للنبي عليه الصلاة والسلام على أن القرآن الكريم وحي من الله - تبارك وتعالى - وأن إثبات إعجاز القرآن الكريم هو إثبات لمصدر القرآن الرباني ، بمعنى أن إعجاز القرآن هو معجزة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وإذا ما علمنا أن المعركة الجدلية ما بين النبي الكريم وبين الكفار ، هي في إثبات نبوته ، وقد كان القرآن الكريم هو معجزة النبوة وآيتها ودليلها ، فلما زعموا أن القرآن كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام - وانهم قادرون على الإتيان بمثله لو أرادوا ، فتحداهم نبينا الكريم بأن يأتوا بمثله أو سورة منه ، وقد كان الهدف من التحدي اثبات النبوة ومصدر القرآن ، فلما عجز الكفار عن المعارضة ، ثبت لهم أن القرآن ليس من كلام البشر ، وإنما هو من كلام الله سبحانه وتعالى ، وبذلك ثبت لهم أن القرآن الكريم هو معجزة سيدنا- محمد صلى الله عليه وسلم - وآيته.
وأخيراً بقي القول أستكمالا ً لموضوعنا هذا : أن إعجاز القرآن الكريم آية باقية على وجه الدهر ، ومعجزة خالده ، من جهة فصاحة لفظه ، وبلاغة نظمه وأسلوبه ، ودقة أحكامه وأوامره ونواهيه ، وبيان اسماء الله وصفاته ، ودلائله اليقينية ، وبراهينه العقلية ، وفي أمثاله المضروبة ، وأخباره بالغيب ، وتحدي الكافرين بالإتيان بمثله، وغير ذلك من العجائب الخارقة للعادة ، والتي جعلت إعجاز القرآن الكريم حقيقة قاطعة لا جدال فيها ، وبديهة مقررة، فقد أقرها المسلمون جميعاً وذلك من خلال تدبرهم للقرآن الكريم، وتذوقهم له وأيمانهم به، والكافرون بأقرارهم بعجزهم عن معارضته، وأعترافهم بأعجازه لهم.