ضرورة نموذج ثقافي أردني
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
19-04-2025 12:05 PM
منذ سنوات اكتب بالحاجة لنموذج ثقافي اردني يملأ الفراغ الثقافي و يمثل قوة ناعمة تحتوي تأثير التيارات الثقافية العابرة للحدود خصوصاً اننا نمتلك مقومات هذا النموذج من ارث هاشمي و قيم عشائرية عليا و وقفات انسانية مع كل مكلوم من المحيط.
لا بد ان تكون وزارة الثقافة و الجهات الفاعلة بوتقة فلسفة و آليات تطبيق هذا النموذج و اطرح رؤيتي بالاعتبارات لضرورة هذا النموذج اليوم قبل غدا:
1. ان امن المشرق العربي و لدرجة ما مصر هو خارج حدودها و ان الانكفاء و غياب التأثير المحيط لن يمنع الاخرين من محاولة التأثير السياسي و الثقافي في بلدنا.
2. ان غياب نموذج ثقافي قوي فتح المجال لتيارات ممتدة في الخارج لتملأ الفراغ. فالجماهير تخاطب من خلال العقل الباطني بشقيه الغريزي و العاطفي في حين ان النخب تخاطب بالعقل الواعي و بالتالي فإن التيارات الثقافية العابرة للحدود تتسلح بالمظلومية و قضايا انسانية عادلة و تعزف على صعوبات العيش و العاطفة الدينية لتحقق اهدافها في الامتداد و السيطرة و التأثير و إن حدث و ان حوصرت تلجأ لمظلومية ان الاتهامات سياسية او تعادي القضايا العربية و الاسلامية العادلة.
3. خلال عشرات السنين رسمت التيارات الثقافية بأشكلها المختلفة من اليسار الى اليمين صورة نمطية للاردن و للخليج حاولت تعميقها في الوعي العربي قائمة على التقليل من رمزية القيادة و تصوير الشعوب بالجاهلية الرجعية المتآمرة و عززت ذلك من خلال ضخ اعلامي متكرر لخلق تباين عقلي معرفي يؤدي لخجل تلك الشعوب او جزء منها من هويته الوطنية و يهرب لهويات هلامية اوسع.
4. الحاجة لتعزيز الهوية الوطنية مع تعزيز الوحدة الوطنية يحتاج نموذج ثقافي مؤثر يجتمع على الانتماء للاردن و الولاء لقيادته الهاشمية عابر للهويات الفرعية.
حتى لا يصبح المجتمع اسير لثقافة إقصائية تستحدثها تيارات عقائدية و حتى لا نبقى في موقع المدافع و حتى لا نسمح لجهات موجهة وافراد بتصوير الدولة بمؤسساتها أنها عدو المواطن متجاهلة عن قصد شح الموارد و اولوية الامن و الاستقرار
فاسمحوا لي في هذه العجالة ان اطرح رأيي من منطلق فكري ثقافي فلسفي في تشخيص الوضع الحالي في الاردن للوصول لطرح ثقافي قابل للتطبيق.
لقد قامت المجتمعات على عاملي الانتاج (الاقتصاد) و عامل الثقافة (آلية التفكير).
إننا في الاردن كما في دول محيطة اخرى لم نعطي عامل الثقافة بمفهومه الشامل الاهتمام الكافي مما خلق فراغا مفتوحا تتمدد من خلاله التيارات الشعبوية فكان اليسار في مرحلة ما ثم الاخوان ثم الفكر السلفي و جزئيا الفكر الطائفي. ان الدولة الاردنية قد عانت من الية التفكير المجتمعي و الصورة النمطية التي صنعتها هذه التيارات و على الرغم ان الدولة بذلت جهودا مضنية لتبقى الاردن دولة وسطية و تقف ضد التطرف باشكاله لكن بقي هذا الفراغ دوما موجودا و ما زال.
ان هذا الفراغ لا يمكن ملئه الا برؤية فلسفية ثقافية تؤدي لآليات قابلة للتطبيق تنتهي بتغيير آلية التفكير الفردية و المجتمعية و الا سنجد تيارا جديدا يملأ هذا الفراغ.
ان تركيز وزارة الثقافة و غيرها من مؤسسات التوجيه المعنوي على مظاهر الثقافة دون الغوص في آليات ثقافية تحدث الية التفكير و تنقلها من التفكير العاطفي الى التفكير النقدي المنطقي (عقل غربي قلب اردني) فإننا سنكون دوما عرضة للتيارات الشعبوية التي ستستغل الظروف المعيشية او قضايا سياسية لتقدم الحكومة كسبب للمشكلات المجتمعية و كأنها تضع الحكومات في الخندق المعادي للمواطن بدل ان تغير رؤية المواطن للواقع لينظر له من خلال امكانيات البلد و شح مواردها و الاخطار التي تحيط بها.
برأيي أن الرؤية للتتغير الثقافي المجتمعي يجب ان تعتمد مفاهيم و جمل و روح و تقدم بلغة المجتمع معتمدة على الفنون و وسائل التواصل الاجتماعي التي يعتقد البعض انها ترفيهية فقط و هذا قد يكون صحيحا في مجتمعات قارئة و نقدية و لكنها في مجتمعنا المبتعد عن الثقافة المقروءة هي أخطر بكثير و تشكل وعي المجتمع و آلية تفكيره و سلوكه و ليس ادل على ذلك من بعض الدول التي اصبحت الفنون تقدم الشعبوية و البلطجيه جزء من السلوك الاجتماعي و برأيي زادت من الخلل الداخلي و ستحتاج تلك الدول لسنوان لتصحيح ذلك المسار.
إنني أرى أن العالم مقبل خلال بضعة سنوات على أزمات كبرى في عدة جبهات ستنتهي بمواجهة كبرى بين أمريكا و الصين و أخرى بين روسيا و أوروبا و ثالثة ضمن الصراع على القطب الشمالي و إنني أرى أننا نحتاج للإعداد المجتمعي لتلك الفترة على مستوى التفكير و السلوك لتحصين المجتمع و الحفاظ على أمنه و استقراره و حياده في تلك الفترة العصيبة.
في المقالة القادمة ساكتب بالآليات التي يمكن تطبيقها ان توفرت الارادة و القناعة بالحاجة لتموذج ثقافي اردني مؤثر
حفظ الله الاردن و قيادته الهاشمية و مؤسساته الوطنية.