غياب محامي الشرعية الفكرية الاردنية
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
22-04-2025 05:41 PM
قد تكون جلسة مجلس النواب الماضية من أهم الجلسات في تاريخ السلطة التشريعية لأنها كانت مناظرة بين الدولة صاحبة الشرعية و تيار الاسلام السياسي ممثل جماعة الاخوان. أهمية هذه المناظرة انها كانت متابعة داخليا و خارجيا من الشعوب و الحواضن و لها تأثير في تشكيل الرأي العام و برأيي الشخصي أن تيار الجبهة كان أكثر وعيا لاهمية هذه الجلسة شعبيا و اعد نفسه جيداً و خاطب العقل الباطن للجماهير الاردنية و العربية في حين كان تيار الشرعية (هذا رأي شخصي) غير معد فكريا و ثقافيا للدفاع عن قضية الاردنيين العادلة و نزع الشرعية عن تيار التدين السياسي.
ممثلي الجبهة كان خطابهم في مضمونه مكرر (نسخ-لصق) عن الرسائل الاعلامية التي وجهوها في الايام الماضية و هي نفس المضمون منذ الاربعينيات و يركز على المحاور التالية: المظلومية، حرف بوصلة الاتهام من جنائي الى سياسي، حرف بوصلة القضية من جمعية فكرية الى فردية، ربط توجهه بقضية عادلة و هي فلسطين مع تجاهل دور الدولة في دعم هذه القضية، تقديم التيار نفسه كعامل استقرار للاردن مذكرا بفضائله على الاردن بعدم حمل السلاح تاريخيا و متجاهلا فضل الاردن بفتح مجال له و فضل الاردن بالتغاضي عن الكثير من تجاوزاته.
كل العوامل السابقة وضعها ممثلي الجبهة في خطاب لا يحتاج اكثر من ثلاث دقائق و هو نفسه ما تكرره حواضنهم و اعضاء الاخوان في وسائل التواصل مع التركيز على رمزية احد نوابهم. هذا لا يمكن ان يكون صدفة او اجتهاد بل آلية معدة و مدروسة و تخاطب العقل الباطن للجماهير و الحواضن داخل و خارج الاردن.
بالمقابل كان خطاب تيار شرعية الدولة بالتأكيد نابع من حس وطني و لكنه يفتقر للعمق الفكري و الثقافي الذي يفند العوامل التي ذكرتها و ينزع عنها الشرعية فاضحى الوضع ان صاحب القضية العادلة و هي الدولة و الشعب الاردني هو الطرف الاضعف في الاعلام الموازي و الخطاب الشعبوي.
كنت اتمنى ان يتضمن خطاب احد النواب ما يلي: أن حزب الجبهة ارتضى ان يكون الذراع السياسي و الشرعي لجماعة الاخوان بالتالي فهو يتحمل المسؤولية الادبية و الاخلاقية و السياسية لكل ما يصدر عن الاخوان و اعضائها حتى لو لم يكن احد من حزب الجبهة متورط في الخلية الارهابية فالقضية هنا ليست فقط قانونية و لكن من ارتضى ان يكون الوجه المجمل للاخوان يتحمل تبعة افعالهم و الا انزلقنا الى وضع يشبه بدايات حزب في دولة مجاورة رجل في الدولة تتحمل الدولة تبعات سلوكه و رجل خارجها يتنصل من خلاله من مسؤولياته الدستورية.
كنت اتمنى ان يتضمن خطاب احد النواب ان الدولة هي من سمحت للاخوان و الجبهة بالتواجد عندما ألغتها دول كثيرة و بالتالي فالدولة صاحبة المنه و الفضل و ليس الحزب و الجماعة.
كنت اتمنى ان يتضمن احد الخطابات ان الدولة الاردنية هي من حاربت من اجل فلسطين و استشهد ثلث جيشها (الفيلق العربي) في 48 و احتفظ بالضفة و القدس و هي التي ما زالت تخوض المواجهات الدبلوماسية و السياسية و تقدم الدعم السياسي و الانساني و تبقي حل الدولتين قائم في الوقت الذي لم يقدم غيرها من الدول و التيارات الداعمة للاخوان الا الشعارات الفارغة و التوريط و وصفات الفوضى و التي تعتبر الخلية الارهابية احد حلقاتها.
كنت اتمنى ان يتضمن الخطاب دور الهاشميين في الاشتباك بالقضية الفلسطينية منذ رفض شريف مكه وطن قومي لليهود الى تأسيس الدولة و استشهاد الملك المؤسس على ابواب القدس الى دور الملك الحسين في الحفاظ على الحقوق الفلسطينية حية و فتح صدر البيت للأشقاء الى الجهد المضني للملك عبدالله الثاني في استخدام احترام المجتمع الدولي له لايصال المساعدات و المستشفيات الميدانية و رفض التهجير و الحفاظ على القدس و المخاطرة بعرشه في مواجهة امريكا و اسرائيل للحفاظ على فلسطين للفلسطينيين.
كنت اتمنى ان يواجه بشكل واضح ما يحاول تيار الجبهة خلقه من شرخ عمودي بين مكونات المجتمع الاردني و أن يقال ان القسمة الحقيقية هي بين من يريد الامن و الاستقرار و شرعية الدولة و القيادة الهاشمية و هؤلاء يمثلون الاغلبية العظمى من الاردنيين من شتى الاصول و المنابت و بين من يريدون ان يجعلوا الاردن ساحة للنفوذ الخارجي و الفوضى و التي تخدم اسرائيل في التهجير و قضم باقي فلسطين.
ما زلت اتمنى ان يكون هنالك خطاب فكري ثقافي مقابل يبث من النواب و قواعدهم على صفحات التواصل يفنّد المظلومية و يفند جر القضية الى ساحة الفردية و الاتهام السياسي و يفند تنصل الحزب من مسؤولياته الادبية و السياسية و الاخلاقية كذراع ارتضى هو ان يكونه لجماعة الاخوان المحلولة و يفند محاولة احتكار الدين و القضية الفلسطينية في الوقت الذي تمثل قيادتنا الامتداد الهاشمي و ارثه الديني و في الوقت الذي تقدم القيادة و الدولة الدعم الحقيقي للاهل في غزة.
ما يحدث حاليا هو مناظرة وصراع فكري ثقافي يستهدف الجماهير داخليا و خارجيا و كلنا يعلم ان الخطاب الرسمي للحكومة له محددات دبلوماسية و الاصل ان ينبري المسؤولين السابقين و النواب و قواعدهم و المفكرين للاشتباك خارج الرسمي و لكن ليس فقط في شعارات (على أهميتها) بل في اشتباك فكري ثقافي يضع الصورة الحقيقية لشرعية الدولة و انحراف من يناكفها على الشرعية و يخاطب العقل الباطن للجماهير التواقة بالاساس للامن و الاستقرار و تعزيز الوحدة الوطنية.