facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ما هو الاردن!


اللواء محمد البدارين
29-04-2025 05:15 PM

لطالما ، طرح سؤال ما هو الأردن ، سواء في أوراق مكتوبة أو في أحاديث ارتجالية ، وبات مفهوما سلفا ، أن هذا السؤال يستهدف استدعاء رواية بعد الأكل ، مضمونها الحقيقي نفي الوجود الاردني جملة وتفصيلا ، واجترار جواب مسبق مفاده أن الأردن مجرد كيان سياسي ما ، تشكل بطريقة ما ، وأنه بحكم ظروف ما أصبح يضم مجموعات سكانية مشتتة ، قد تعتبر شعبا في حالة الإضافة لعبارة شتى الاصول والمنابت ، وكانت هذه الرواية ولا تزال قابلة للاستعمال من قبل أطراف عديدة ، لأسباب تفسيرها العلمي الموحد في كل مكان وزمان ان العدو أو الغريم او المنافس ، يلجأ عادة لخلق صورة سلبية عن عدوه أو منافسه او غريمه ، بهدف الانتقاص من قدره والتقليل من شأنه والتغلب عليه.

وفي حالة الأردن ، كان الأستاذ محمد حسنين هيكل ، في وقت مبكر ، أبرع الخالقين للصورة السلبية عن الأردن والتقليل من شأنه والتشكيك بحقيقة وجوده ، ومن حسن التدبير والاتقان آنذاك ، أن الأردن اكتفى للرد عليه ، باستخدام الموسيقى والألحان بصوت سلوى العاص وآخرين ، حتى راح الاستاذ احمد سعيد يتهجم بحنق وتوتر على اذاعة سلوى حسب وصفه ، فتأكدت عمان في حينه أن اللحن الأصيل كان يكفي..

وبمرور الزمن المملوء بالأحداث المتلاحقة والأوضاع المتغيرة ، ستظهر فواعل جديدة ذات أبعاد أكثر خلطا وتمويها ، وفي أجواء مشحونة بمشاعر مساءلة الذات العربية المشروخة بعذابات الانكسارات والانكفاءات والانحدارات والبحث عن الأمكنة والعناوين تحت ضغط المفاوضات و المحاصصات ، وانتشار حالة الاهتزاز الإقليمي تحت الضرب والحصار والعقوبات ، وسقوط الأهداف المطاطية شبه الوهمية ، سيجد الناس في عموم المنطقة أنفسهم في مواجهة الاسئلة الذاتية المهملة والاحتياجات الضرورية الحرجة ، التي سيتبين بشكل مؤكد انها كانت أكبر وأصعب مما كان في الحسبان ، وسيتزامن كل ذلك مع ضغط تحولات عالمية اختلفت فيها الموازين والمعايير ، بشكل سمح بكل فجاجة باستضعاف كل ضعيف وتجريده من كل ما تستدعي قوانين السوق تجريده منه.

وفي المشهد الأردني بالتحديد، ستشهد البلاد مجادلات ومناظرات سياسية علنية وحساسة ومتوترة ، برز منها ، على سبيل المثال ، مناظرة اعلامية حساسة بين عبد الهادي المجالي وطاهر المصري ، واقدام عدنان ابو عودة على نشر كتابه الأمريكي (الأردنيون والفلسطينيون والهاشميون) وسيطرح ناهض حتر سؤاله الشهير من هو الاردني ، وسيصدر نتنياهو كتابه الرهيب مكان تحت الشمس ، فيما نشر شيمون بيريز كتابه العسلي (الشرق الاوسط الجديد) وفي لحظة تخبط سيترقى سؤال ما هو الأردن لكي يطرح علنا في المستويات العليا في البلاد ، وفي وقت لاحق ، ستتكاثر اصدارات كتب المسؤولين السابقين وندواتهم ومراجعاتهم ، حتى بات بوسع أي مهتم أن يجد ما يكفي من الأدلة في تلك الكتب والمراجعات لإدانة المنظومة السياسية الحاكمة في البلاد منذ خمسين عاما ، وسينتدب عبد الرؤوف الروابدة نفسه بنفسه لمهمة الدفاع على جميع الجبهات ، ولو بطريقة فليسعف النطق ان لم تسعف الحال.

وخلال كل تلك الحقبة المستمرة حتى الآن ، لم يكن الاسلاميون بعيدين عن المشهد المتوتر بل كانوا جزءا منه ، وبقدر ما توفر لديهم من وضوح علني صاخب في الحضور، كان لديهم قدر من الغموض ، حتى وصفت بنيتهم التنظيمية بأنها تشبه شبكة عالمية مشهورة بغموضها ، وبينما كانت التنظيمات الحكومية تخضع للمزيد من النقد والضغط والكشف ، كانت كل المجموعات الأهلية والمدنية والحزبية والنقابية ، تتحاشى الخضوع لحسابات النتائج والمساءلة.

وكلما تزايدت الحاجة العمومية لحسابات الأهداف والنتائج ، التي باتت الذات الوطنية المتعبة تضعها في أعلى سلم الأولويات ، كانت قوى المجتمع المدني بما فيها القوى الإسلامية ، تتماهى مع التنظيمات الرسمية في استخدام الأساليب الدعائية التبريرية ، وتفر من عالم المساءلة والحساب المحدود ، الى عالم العموميات المطاطي واللامتناهي ، فتحذف حسابات ما يكون ، وتستبدلها بحسابات ما ينبغي أن يكون ، المعلقة في باب التمنيات المنتظرة والاحتمالات المتخيلة ، في حين أن حركة الواقع الحقيقي تجري دائما وفق ما هو كائن لا وفق ما ينبغي أن يكون.

ومن زاوية الواقع ، يمكن الاستنتاج بقدر كبير من الموضوعية ، أنه لم يعد من المفيد تضييع مزيد من السنين والأعمار في مجادلات حول طروحات كانت قابلة للانهيار مرارا أمام قوة عناصر الواقع وحقائقه وحركته ومجرياته ، وفي مجريات الواقع الحقيقي ، لا شيء أهم من حركة الناس وحضورهم وسعيهم ، ومما لا شك فيه على الاطلاق ، ان هوية الناس ليست إلا نتاجا طبيعيا لحركتهم واحوالهم وانفعالاتهم وعلاقاتهم بالامكنة والاشياء والازمنة ، بكل ما في هذه العناصر من تلقائية وعمق ، لا يمكن أن تصمد أمامها كل عوامل التدخل المخطط له.

وبناء على ما توفره هذه المعطيات ، لم تعد طروحات الدعاية الصهيونية الدينية المتمركزة حول تمجيد الذات اليهودية ونفي الآخر ، تستحق اي اهتمام زائد ، فهي بقدر ما باتت تبالغ في طروحاتها الاسطورية العنصرية واللاعقلانية ، بقدر ما باتت تفقد أكبر قدر من الاحترام والموثوقية على نطاق عالمي واسع ، ويبدو ان هذا التناسب الطردي سيظل قابلا للتوسع والتأثير ، وستجد اسرائيل نفسها قريبا مضطرة للاختصار من عنجهيتها المتمادية.

ووفق ما تتيحه الاحتمالات المتوقعة ، فان لا شيء يدعو للقلق الزائد في الاردن ، فالذي عليه ان يقلق وهو قلق فعلا ، هو ذلك الذي لا يزال يبحث في خرائب الامم الغابرة عن قطعة اثرية حقيقية او مزورة تثبت انه مر من هنا في يوم ما ، فيما لا يحتاج الاردن لإعلان التعبئة ولا التجنيد الإلزامي ، فلديه ما يكفي من عناصر القوة المحترفة والمقتدرة ، وبمنظور متحرر من القلق ، تبدو حاجة الاردن الحقيقية الان هي في الاتصال بالداخل الاردني اتصالا منظما محدد الاهداف ، لمعالجة الوضع الاقتصادي ، مع ما يستدعيه ذلك من اجراءات واسعة وقصيرة المدى في المجالين الاداري والاقتصادي ، اجراءت تدعم كل القطاعات الانتاجية ، انتاجا وتسويقا وتصديرا ، وتفتح كل الحدود والابواب امام كل من يعمل في اي مجال ، مع ما يلزم ذلك من قرارات ادارية وامنية تلغي او تختصر كل ما يعيق حركة الناس وسعيهم ومعاملاتهم ، فالاعتبارات الامنية على اهميتها يمكن الاستجابة لها بصورة فعالة بدون ان يكون ذلك مبررا لاعاقة الحركة في كل الاتجاهات.

وبناء على كل ما سبق ، وفي المعنى النهائي للأمور ، فإن الإشارة تكفي ، كما كان اللحن يكفي ، ودائما كان في الأردن جواب ومعنى وسيوف..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :