في كلمة ألقاها سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، خلال رعايته إطلاق فعاليات منتدى “تواصل 2025” في مجمع الملك الحسين للأعمال، تجلّت رؤية وطنية شاملة حول أهمية التكنولوجيا في النهوض بمختلف القطاعات، بدءًا من التعليم والصحة وصولًا إلى الاقتصاد والإدارة العامة. وقد شدّد سموّه على ضرورة تسخير الذكاء الاصطناعي لتوفير فرص عمل جديدة للشباب، والمساهمة في تحسين جودة الخدمات وزيادة كفاءة الأداء الحكومي والخاص.

يتطلّب هذا التوجه المستنير موقفًا وطنيًا جادًّا، ينتقل بنا من حدود استهلاك التكنولوجيا إلى المشاركة الفاعلة في صناعتها وتطويرها. فالأردن يمتلك رأس مال بشريًّا مبدعًا وقادرًا على الابتكار والإنجاز، ما يؤهّله لتصدير حلول ذكية على المستوى الإقليمي والعالمي. ولتحقيق ذلك، ينبغي دعم البحث العلمي وتوجيه التعليم نحو تبنّي المهارات التكنولوجية المتقدمة، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، بما يلبّي احتياجات السوق المحلية ويفتح آفاقًا أوسع للمنافسة الدولية.

إن إدراك سمو ولي العهد لأهمية استخدام التكنولوجيا المتطورة في القطاعات المختلفة، ولا سيما الصحية والتعليمية، يعكس إيمانًا راسخًا بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يختصر المسافات ويوسّع آفاق الاستفادة من الموارد. فمثلًا، بوسع الطائرات من دون طيار (drones) تقديم خدمات طبية عاجلة في المناطق النائية، تمامًا كما تستطيع الأدوات الذكية (smart tools) في المدارس تمكين المعلمين من منح اهتمام أكبر للطلبة الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة.

وتنبع أهمية هذه الرؤية من سعيها إلى بناء مستقبلٍ واعد قائم على المعرفة، بحيث تتحوّل الأفكار الخلّاقة إلى مشاريع ناجحة تشدّ من أزر الاقتصاد الوطني وتدعم الاستقرار المجتمعي. وفي هذا السياق، من الضروري المضي قدمًا في تطبيق السياسات الداعمة للابتكار، والتخلّي عن التردد، وإطلاق المبادرات القائمة على الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة، ضمن إطار تشريعي وتنظيمي يكفل أمان البيانات وشفافية القرارات.

إن رسالة سمو ولي العهد هي دعوة صريحة لكل أطياف المجتمع للمشاركة الفاعلة في هذا التحوّل الرقمي، وتبنّي عقلية التفكير الاستباقي. وإذا أردنا أن نجعل من الذكاء الاصطناعي قيمة مضافة في حياتنا اليومية، فعلينا أن نكون مصدّرين للتكنولوجيا لا مستهلكين لها فحسب، وأن نكثّف جهودنا للاستثمار في أجيال المستقبل وتوفير الحوافز والمناخ الملائم ليظلّ الأردن في طليعة الدول الساعية إلى توظيف العلوم الحديثة في خدمة شعبه وبناء غد أكثر تقدمًا.