خطاب جلالة الملك أمام البرلمان الأوروبي (٢)
أ.د. مصطفى محمد عيروط
21-06-2025 12:46 PM
أكد جلالة الملك عبد الله الثاني المؤكد في خطاب العرش في 11 تشرين الأول عام 2023: "(ستبقى بوصلتنا فلسطين وتاجها القدس الشريف، ولن نحيد عن الدفاع عن مصالحها وقضيتها العادلة حتى يستعيد الشعب الفلسطيني الشقيق حقوقه كاملة؛ لتنعم منطقتنا وشعوبنا كلها بالسلام الذي هو حق وضرورة لنا جميعاً)".
وخطاب جلالة الملك أمام البرلمان الأوروبي الذي يمثل أكثر من 400 مليون نسمة يؤكد على ما تعرض له المجتمع الدولي منذ خمس سنوات عندما خاطبه، وجلالة الملك يحمل دائماً للعالم مبدأ راسخًا ما تتعرض له فلسطين، سواء في غزة أو القدس أو الضفة الغربية، فقال جلالته:
"(.. ومنذ ذلك الحين مر مجتمعنا بالعديد من الاضطرابات السياسية والتكنولوجية والاقتصادية؛ من جائحة فيروس كورونا وتهديدات أمنية جديدة وتسارع تكنولوجي غير مسبوق إلى المعلومات المضللة التي تفشت بشكل مفرط وحرب شديدة على أوكرانيا وحرب قاسية على غزة، وأخيرًا الهجمات الإسرائيلية على إيران التي تهدد بتصعيد خطير في منطقة الشرق الأوسط وخارجها)".
والأردن قدم ويقدم الدعم المطلق لأهلنا في فلسطين، في غزة والقدس والضفة الغربية، والهيئة الخيرية الهاشمية تشرف على إيصال الدعم لأهلنا في غزة. وقال جلالة الملك أمام البرلمان الأوروبي:
"(... واليوم يتجه هذا العالم نحو انحدار أخلاقي، إذ تنكشف أمامنا نسخة مخزية من إنسانيتنا وتتفكك قيمنا العالمية بوتيرة مروعة وعواقب وخيمة، يتمثل هذا الانحدار بأوضح أشكاله في غزة التي خذلها العالم، وأُضيعت الفرصة تلو الأخرى في اختيار الطريق الأمثل للتعامل معها. فلنعد بالذاكرة إلى عام 2023؛ أثارت أولى الهجمات والغارات الإسرائيلية على مستشفى في غزة آنذاك صدمة وغضباً عالمياً. ومنذ ذلك الحين وثقت منظمة الصحة العالمية ما يقارب 700 هجوم على مرافق الرعاية الصحية في غزة. كيف يعقل لما كان يُعتبر فعلاً وحشياً قبل 20 شهراً فقط أن يصبح الآن أمراً شائعاً لدرجة أنه بالكاد يُذكر؟)"
جلالة الملك يتحدث ويؤكد أمام البرلمان الأوروبي قضايا مهمة تحدث في غزة من استهداف الأماكن الصحية والعاملين فيها والصحفيين والمدنيين، واستخدام المجاعة كسلاح ضد الأطفال.
ولا تُمارس القيم السامية وسد الفجوة بين القول والعمل.
وقال جلالته في خطاب تاريخي:
"(.. كيف يعقل لإنسانيتنا أن تسمح بأن يصبح ما لا يمكن تصوره أمراً اعتيادياً؟ أن تسمح باستخدام المجاعة كسلاح ضد الأطفال، أو تسمح باستهداف العاملين في القطاع الصحي والصحفيين والمدنيين الذين يبحثون عن الملجأ في المخيمات؟ أن مرور 20 شهراً على هذه الوحشية يجب أن يثير قلقنا جميعاً، لكن ليس بوسعنا أن نتعجب من ذلك؛ لأنه عندما يفشل مجتمعنا العالمي في سد الفجوة بين القول والفعل، وعندما لا تُمارس القيم السامية، فإنها تصبح ادعاءات فارغة ومستهلكة)".
وجلالة الملك يعلن بوضوح ضرورة سيادة حكم القانون وليس سيادة حكم القوة، فقال جلالته:
"(والآن نحن على مفترق طرق آخر حاسم في تاريخنا، مفترق طرق يتطلب الاختيار بين السلطة والمبدأ، بين حكم القانون أو حكم القوة، بين التراجع أو التجديد؛ لأن كل هذا على المحك بالنسبة للجميع. والأمر لا ينطبق على غزة فحسب، فهذه ليست لحظة سياسية أخرى لتسجيل المواقف، بل إنه صراع حول هويتنا كمجتمع عالمي في الحاضر والمستقبل)".
ومنذ ستة وعشرين عاماً وجلالة الملك عبد الله يحمل القضية الفلسطينية وضرورة إيجاد حل لها على أرض فلسطين حتى تنعم المنطقة بالسلام العادل وإعطاء الحقوق لأصحابها في فلسطين وإعطاء الأمل حتى لا ينعدم ويصبح له تداعيات تتعدى حدود الدول، فقال جلالة الملك:
"(من المرجح أن يكون هذا العام هو عام القرارات المحورية لعالمنا بأسره. وسيكون لقادة أوروبا دور حيوي في اختيار الطريق الصحيح، ويمكنكم الاعتماد على الأردن كشريك قوي. لكن وهناك مجالان أساسيان للعمل: الأول هو دعم التنمية؛ لأن ازدهار الشرق الأوسط يوفر فرصاً تعود علينا جميعاً بالمنفعة. ولكن كما رأينا مراراً وتكراراً، فإن العكس أيضاً صحيح؛ فعندما ينعدم الأمل، تمتد تداعيات ذلك لتتعدى حدود الدول.
أما بالنسبة لمجال العمل الثاني، فعلينا اتخاذ إجراءات حاسمة ومنسقة لضمان الأمن العالمي. ولن يكون أمننا المشترك مضموناً حتى يتصرف مجتمعنا العالمي ليس فقط لإنهاء الحرب في أوكرانيا، ولكن أيضاً لإنهاء أطول بؤرة اشتباك في العالم وأكثرها تدميراً، ألا وهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ ثمانية عقود.
والفلسطينيون مثلهم كمثل جميع الشعوب يستحقون الحق في الحرية والسيادة، ونعم إقامة دولتهم المستقلة.)"
وجلالة الملك في كل المحافل والمواقف والمؤتمرات واللقاءات يتحدث عن ضرورة الحل العادل للقضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وما يقدمه الأردن بقيادة جلالة الملك لفلسطين في غزة والضفة الغربية والقدس هو تاج على رؤوسنا جميعاً. وجلالة الملك يقف بكل قوة مع أهلنا في فلسطين ويتحدث أمام العالم ما يجري في فلسطين بصوت قوي ومؤثر وواضح، والعالم يأخذ برأيه ومواقفه؛ لأن جلالته قائدٌ عادلٌ صادقٌ واضحٌ مؤمنٌ بالقيم الأخلاقية السامية، فقال جلالة الملك:
"(إن ما يحدث في غزة اليوم يتنافى مع القانون الدولي والمعايير الأخلاقية وقيمنا المشتركة. ونحن نشهد الانتهاكات تلو الأخرى في الضفة الغربية، والوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
إذا فشل مجتمعنا العالمي في التصرف بشكل حاسم، فإننا نصبح متواطئين في إعادة تعريف معنى أن تكون إنساناً. لأنه إذا ما استمرت الجرافات الإسرائيلية في هدم منازل الفلسطينيين وبساتين الزيتون والبنية التحتية بشكل غير قانوني، فإنها ستهدم أيضاً الحدود الأخلاقية. والآن مع توسع إسرائيل هجومها ليشمل إيران، لا يمكن معرفة أين ستنتهي حدود هذه المعركة، وهذا أصدقائي يهدد الشعوب في كل مكان.)"
وفي نهاية المطاف، يجب أن ينتهي هذا الصراع، والحل الوحيد الذي يمكننا تطبيقه هو الحل القائم على السلام العادل والقانون الدولي والاعتراف المتبادل.
وقال جلالته:
"(لقد سلكنا طريق السلام من قبل، ويمكننا أن نسلكه مجدداً بالشجاعة اللازمة لاختيار هذا الطريق وقوة الإرادة لنسلكه معاً.)"
وخطاب جلالة الملك أمام البرلمان الأوروبي يؤكد المؤكد بأن فلسطين هي الوجهة والمبدأ وبوصلة الأردن، وتعكس التزام الأردن الثابت بالقضية الفلسطينية، وتأكيداً على أن فلسطين هي محور اهتمام الأردن ومساره.
ومواقف الأردن التاريخية تجاه القضية الفلسطينية معروفة، ودور الأردن في دعم الشعب الفلسطيني ومساندته في نيل حقوقه المشروعة معروفة. وفلسطين قضية الأردن المركزية، فالعلاقات تاريخية ودم وأخوة وأسرة بين الأردن وفلسطين وتتسم بالتعاون والدعم المطلق في مختلف المجالات، والأردن داعم مطلق للقضية الفلسطينية في كل الأصعدة الإقليمية والدولية.
وجلالة الملك عبد الله الثاني الحفيد الواحد والأربعون لرسولنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يحمل إرثًا تاريخيًا في الوقوف مع فلسطين وأهلها والقدس الشريف. والشريف الحسين ابن علي المغفور له الذي توفي يوم 2 حزيران عام 1931 دُفن في جوار المسجد الأقصى، وكان أول المتبرعين لإعادة إعمار المسجد الأقصى في حملة بدأت عام 1924.
وفي القدس استشهد المغفور له الملك عبد الله الأول مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية في المسجد الأقصى في 20 حزيران عام 1951.
واستمر الدعم لأهلنا في فلسطين والقدس في عهد جلالة الملك المغفور له الحسين.
ويستمر الدعم لأهلنا في فلسطين في غزة والضفة الغربية والقدس بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني المفدى، ويشمل كافة أنواع الدعم والحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني في القدس ودعم المقدسات الإسلامية والمسيحية. وتوجد دائرة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى بوصاية هاشمية تاريخية راسخة على الأماكن المقدسة في القدس.
وقال جلالة الملك أمام البرلمان الأوروبي:
"(.. إن إيمان الأردن الراسخ بهذه القيم المشتركة متجذر في تاريخنا وتراثنا، وهو ما يدفع مبادئنا الوطنية المبنية على التسامح والاحترام المتبادل. نحن نفخر بكوننا موطناً لموقع عماد السيد المسيح عليه السلام (المغطس) وبلدنا المسلم هو موطن لمجتمع مسيحي تاريخي، وجميع مواطنينا يتشاركون في بناء وطننا. وهذه القيم تقع في صلب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والتي تعاهدنا بحماية هويتها التاريخية متعددة الأديان من أي اعتداء. ويعود تاريخ الالتزام إلى وعد لأهل القدس منذ قرون عديدة، فقد أمرت العهدة العمرية المسلمين باحترام كنائس مدينة القدس وحمايتها، وعدم إيذاء أي كاهن ولا قتل طفل أو امرأة أو شيخ. وبعد مرور ألف عام، جعلت اتفاقيات جنيف هذه المبادئ نهجاً عالمياً، إلا أن الأحداث الأخيرة قد وضعت هذه القيم والمبادئ في موضع الشك، وعلينا أن نعمل جاهدين لنضمن صمودها على مر الزمن والأزمات.)"
وأرجو أن أبين ما كتبته في المقال السابق عن خطاب جلالة الملك التاريخي أمام البرلمان الأوروبي بضرورة الحديث عنه دائماً في الإعلام والتعليم العام والعالي والأوقاف وقنوات التواصل الاجتماعي والندوات والنشاطات واللقاءات، فالخطاب التاريخي أمام البرلمان الأوروبي هو في رأيي، كما أسمع وأتابع، ضمير كل أردني وأردنية وفلسطيني وفلسطينية وعربي ومسلم وإنسان في العالم.
حمى الله الأردن الوطن والشعب والقيادة الهاشمية والجيش العربي المصطفوي والأجهزة الأمنية بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم حماه الله وحمى الله سمو الأمير الحسين ولي العهد الأمين.