facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




متلازمة الدمقرطة والخوف منها: مأزق الأحزاب الحديثة


د. اسامة تليلان
01-07-2025 12:07 AM

تمثل "متلازمة الدمقرطة والخوف منها" إحدى الإشكاليات البنيوية في المشهد الحزبي العربي عموماً، والأردني كذلك. وهي تعبّر عن توتر مركّب داخل الأحزاب السياسية بين تبنّي الخطاب الديمقراطي كضرورة للتكيّف مع متغيرات البيئة السياسية، وبين التردد أو حتى الرفض الضمني لتطبيق مبادئه ضمن الهياكل التنظيمية الداخلية. هذا التوتر في جوهره، لا يرتبط بغياب الإرادة فقط بقدر ما يُعبّر عن أزمة ثقافية وتنظيمية عميقة.

غالبا ما تبادر الأحزاب إلى إدراج مفردات مثل "المشاركة"، "التمثيل القاعدي"، و"المساءلة الداخلية" في وثائقها وخطابها السياسي، إلا أن هذه المفردات تبقى في كثير من الأحيان جزءً من العرض السياسي الموجّه للخارج، وليس تعبيرا عن ممارسة فعلية داخلية.

إن هذا الانفصام بين الشكل والمضمون يُنتج نموذجا حزبيا هشا بحيث يبدو ديمقراطيا في أدبياته، لكنه سلطوي في بنيته العميقة، حيث تتركز صناعة القرار في حلقات ضيقة، وتُهمّش القواعد، وتُحاصر المبادرات.

الخوف من الدمقرطة الحقيقية داخل الحزب لا يأتي من فراغ بقدر ما يرتبط بعوامل متعددة، منها:
1.خشية القيادات من فقدان السيطرة التنظيمية نتيجة توسيع دوائر القرار.

2.غياب ثقافة التداول والتقييم الذاتي، حيث يُنظر إلى النقد الداخلي على أنه تهديد لا أداة تصويب.

3.الضعف البنيوي للكوادر الوسطى، مما يجعل بعض القيادات تُفضّل الإبقاء على المركزية بدل المغامرة بتمكين غير المؤهّلين.

يُضاف إلى ذلك عنصر نفسي سياسي أساسي وهو الخوف من تفجّر التناقضات الداخلية إذا فُتحت قنوات التعبير والمشاركة بشكل حقيقي، وهو ما يدفع بعض الأحزاب إلى الاكتفاء بدمقرطة شكلية تُرضي المتطلبات الرسمية لكنها لا تُهدد التوازنات القائمة داخل الحزب.

وعندما تتحوّل الدمقرطة إلى قشرة خارجية تصبح فعالية الحزب مقيّدة بثلاث نتائج أساسية:

أولاً: انكماش الثقة داخل القواعد، إذ يشعر الأعضاء أن مشاركتهم رمزية وغير مؤثرة.

ثانيا: ركود في المبادرة والتجديد، لأن مناخ المركزية يقتل الاجتهاد ويُكافئ الطاعة.

ثالثا : تآكل تدريجي في الصورة العامة للحزب، حيث تتكشف الهوة بين الخطاب والممارسة أمام الأعضاء وجمهور الناخبين.

في نهاية المطاف، يتحوّل الحزب إلى كيان مغلق، يُعيد إنتاج ذاته بشكل دائري، دون قدرة على التجدد أو التفاعل مع ديناميات السياسة والمجتمع.

ولتجاوز هذا المأزق، لا بد من مقاربة شجاعة، تبدأ بالاعتراف أن الديمقراطية الداخلية ليست خيارا وإنما شرطا لبقاء الحزب وفعاليته. ويشمل ذلك:

تعميق الديمقراطية الداخلية وحمايتها بالتدابير اللازمة.

تطوير لوائح تنظيمية تضمن التداول والتنوع داخل الهيئات.

تمكين القواعد من أدوات المشاركة الحقيقية.

إشاعة ثقافة النقد البنّاء والتقييم المستمر للأداء القيادي.
كما يتطلب الأمر قيادة تؤمن بالتغيير من الداخل وتتحمّل تبعاته، حتى وإن كان على حساب مناطق نفوذها التنظيمي.

"متلازمة الدمقرطة والخوف منها" ليست حالة عابرة، بل تعبير عن مأزق بنيوي في الحياة الحزبية الحديثة. وهي لا تُحل إلا بالمكاشفة والقرار السياسي الشجاع. فإما أن تكون الديمقراطية ممارسة أو تبقى قشرة خارجية تُفاقم التآكل الداخلي حتى الانهيار.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :