facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




متلازمة الدمقرطة والخوف منها


د. اسامة تليلان
03-07-2025 09:55 AM

*الأحزاب وبنية العقل السياسي العربي

مناقشة الديمقراطية في السياق الحزبي العربي ليست مسألة إجراءات وهياكل مؤسسية، بقدر ما هي أولاً محطة اختبار للعقل السياسي وللنمط الثقافي الذي يحكم العلاقة بين القيادة والقاعدة، بين الفرد والجماعة. من هنا فإن ما ندعوه بـ"متلازمة الدمقرطة والخوف منها" ينبغي أن تقرأ بوصفها تمظهرا لأزمة أعمق في بنية الوعي العربي كما تشكل تاريخيا وليس كمسائلة طارئة أو تنظيمية.

لقد نشأت الأحزاب العربية الحديثة في جلها في بيئة ثقافية غير ديمقراطية، لا بل يمكن القول إنها أعادت إنتاج منطق الدولة غير الديمقرطية داخل تنظيمها، وهذا ما يجعل الدمقرطة في داخل هذه الأحزاب إشكالية مركبة، فهي مستحبة نظريا مرفوضة عمليا، مطلوبة في الخطاب مرفوضة في الممارسة. ذلك لأن الخوف منها ليس مجرد تردد سياسي، بقدر ما هو في باطنه توجّس عميق من الانكشاف ومن الشراكة ومن المجهول الذي قد تحمله الإرادة العامة إن تُركت دون توجيه.

لقد أكد محمد عابد الجابري أن العقل السياسي العربي عقل بياني عرفاني، يركن إلى السلطة ويُقدّسها، ويهاب التعدد لأنه يخلّ بالنسق المألوف. ومن هذا المنطلق، لا غرابة أن نرى الأحزاب ترفع شعارات الشفافية والمشاركة، بينما تدار بالتراتبية والغموض. هنا تتحول الديمقراطية من "قيمة بنيوية" إلى "رأسمال رمزي" يُوظف للاستهلاك الخارجي، دون أن يخترق بنية القرار.

هذه المتلازمة، إذن ليست عرضا حزبيا بل نمط تفكير، تسكن في ذهنية بعض القيادات التي تمارس الوصاية باسم الخبرة، وتختزل الحزب في أشخاص أو دوائر مغلقة. ومع الزمن، يتحول هذا النمط إلى ثقافة تنظيمية تُقصي المبادرة، وتُحوّل العضوية إلى ولاء، والنقد إلى تمرد.

هنا يظهر "العقل الحزبي المستقيل" على حد تعبير الجابري، عقل يرفض مواجهة نفسه، ويكتفي بإنتاج صورته من خلال الآخر. فهو لا يسعى لبناء مؤسسة حيّة تتفاعل مع المجتمع، بل لإنتاج صدى يُعيد طمأنته بأن كل شيء تحت السيطرة. وهكذا، تصبح الديمقراطية فعلا شكليا يُمارس كمجرد طقس وليس كقيمة.

وإن تفكيك هذه المتلازمة يتطلب أولاً مساءلة الأساس الذي يُنتج هذا الخوف، أي العلاقة بين النخبة والقاعدة، فنحن نعيش أزمة تصوّر لما يجب أن تكون عليه السلطة داخل الحزب، وهو للأسف تصوّر يستبطن النماذج الهرمية والتبعية والمركزية ، أكثر مما يعكس نموذج الحزب الحديث.

وثانيا لا بد أن يفهم أن الديمقراطية لا تُبنى ولا تُختبر في الخطابات والمحاضرات والندوات وإنما في التفاصيل اليومية، في كيفية اتخاذ القرار، في آليات الاختيار، في طبيعة الحوار، وفي احترام الاختلاف.

إن متلازمة الدمقرطة والخوف منها تكشف في عمقها، أن معركتنا ليست مع الديمقراطية، وإنما قبل ذلك مع ذواتنا، مع بنية نفسية لا تستطيع تجاوز عتبة التبعية وتهاب النقد، وتخشى فقدان السيطرة، وهذا هو التحدي الأكبر لأي مشروع حزبي حداثي، أن يجرؤ على أن يكون ديمقراطيا في الجوهر.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :