الدمقرطة الممكنة والحزبية المسؤولة
د. اسامة تليلان
13-07-2025 09:30 AM
الأزمة ليست في غياب الديمقراطية وإنما في الخوف المنهجي من حضورها، والمفارقة الكبرى في عالمنا العربي أن النخب السياسية والمجتمعية رغم انها تدعو للديمقراطية في خطابها، لكنها عمليا تتوجس منها، وهذا ما يجعل من الدمقرطة الممكنة مدخلا صادما، لأنها لا تبيع أوهاما، بل تواجه الواقع السياسي .
الدمقرطة الممكنة ليست تخفيضا لمفهوم الديمقراطية بقدر ما هي إنقاذا لها من وهم القفزات الكبرى، هي اعتراف أن مجتمعات مأزومة بالبطالة، وأحزاب ضعيفة، لا يمكن أن تحتمل فجائية التحول. لذلك هي انتقال عبر مساحات من التوازن بين الواقعية السياسية والتحول الديمقراطي التدريجي، المبني على الإصلاحات الدستورية والتشريعية والمؤسسية.
لكن الدمقرطة، مهما كانت ممكنة، تظل بلا معنى إذا لم تنتج حزبا مسؤولا. وهنا تبرز "الحزبية المسؤولة" كمفهوم يصطدم مباشرة بكل ما هو مألوف في العمل الحزبي العربي الذي يعج بالشعارات الرنانة، والاستقطاب الغريزي، والعجز عن إنتاج بدائل.
الحزبية المسؤولة هي ثورة داخل التنظيم وليس في الشارع. هي حزب يحاسب نفسه قبل أن يطلب محاسبة غيره. حزب قادر على انتاج المعرفة وليس فقط البيانات المكرره. حزب يؤمن بالبرامج وليس بالشخوص.
نحن أمام علاقة عضوية، فالدمقرطة الممكنة لا تتجذر إلا حين تنبع من ممارسات حزبية مسؤولة، والحزبية المسؤولة لا تنشأ إلا حين تجد نفسها داخل سياق ديمقراطي متدرج يوفّر لها الحماية والشرعية.
وما لم يتم كسر هذه الحلقة المفرغة والبدء ببناء الديمقراطية من الداخل ستبقى المعادلات كما هي، المطلوب اليوم ليس المزيد من النقاش حول الديمقراطية، بل المزيد من التجريب الحزبي الجاد وأحزاب تتحدث بصدق مع قواعدها قبل أن تخطب ودّ الجماهير.
الدمقرطة تمر عبر بوابة الحزبية المسؤولة، والعمل السياسي الجاد القادر على التحرر من الانفعال السياسي الذي يتصور إمكانية إحداث تغيير جذري وفوري، دون اعتبار للواقع، أو التدرج، أو المؤسسات القائمة.
فالفعل السياسي الناضج يقوم على الإدراك الواعي لتعقيدات الواقع، والعمل ضمن الممكن لتحقيق المصلحة العامة ضمن الأطر الشرعية والمؤسسية.
هي دعوة لإعادة التفكير.