الأردنُّ وجهةٌ عالميَّةٌ لتعليم اللُّغة العربيَّة للناطقين بغيرها
د. ناجي القبيلات
22-07-2025 08:54 AM
يملك الأردن مقومات تتيح له فرصة التحول إلى مركز إقليمي ودولي للدراسة في برامجه للغة العربية للناطقين بغيرها، من خلال اهتمام وزارة التعليم العالي والبحث العلميّ رسميًا بالتَّسويق الدّوليّ لهذه البرامج كجزء أصيل في المنظومة التعليمية الوطنية؛ لأبعاد ثقافية وأكاديمية، إضافة إلى عَدِّها مشروعًا استثماريًا وطنيًا يضيف للاقتصاد الأردنيّ مصادر دخل جديدة ومستدامة من العملة الصعبة.
إلا أن هذه الجهود على أهميتها بحاجة إلى رؤية أكثر تكاملًا تتيح إنشاء بنية تنظيمية تضبط جودة البرامج اللغوية تُواكب الطموح الاستثماريّ، وتضمن أن تكون هذه البرامج في مستوى المنافسة العالمية. فمعظم الطلبة الدوليين ممن يأتون لدراسة تخصصات أكاديمية في الأردن، يبدأون رحلتهم من خلال برنامج لتعليم اللغة العربية (سنة تحضيرية)، وهذا يعني أن جزءًا لا يُستهان به من هذه البرامج تُمثّل "بوابة العبور" إلى الجامعات، بل وربما الانطباع الأول والأهم عن جودة التعليم في الأردن.
ولِقَنصِ هذه الفرصة الاستراتيجية، لا بُدَّ من إنشاء مركز وطني رقابي مختص ببرامج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، تكون مهمَّته ضبط جودة البرامج، والإشراف على المناهج والمُقرَّرات الدراسية التي تعكس الثقافة الأردنية والعربية، وتُراعي مفاهيم الوسطية والتسامح، ويضمن كفاءة الكوادر التدريسية، وتطوير معايير التقييم، وتوحيد آلية الاعتراف بالشهادات الصادرة عنها، وإنشاء منصة إلكترونية ضمن موقع الوزارة تُجمع فيها الأكاديميات المُختصة الحكومية والخاصة.
وللتَّعزيز من قوة برامج العربية ومصداقيتها؛ تبرز الحاجة إلى تطوير اختبارٍ دولي للغة العربية للناطقين بغيرها مكافئًا لاختباريّ (TOEFL) و (IELTS) في اللغة الإنجليزية، يُبنى على معايير مرجعية عالمية مثل "الإطار الأوروبي المرجعي المشترك للغات (CEFR) أو معايير المجلس الأمريكي لتعليم اللغات الأجنبية (ACTFL)، ويكون مُعتمدًا محليًا ودوليًا، يمنح الطلبة وأصحاب الحاجة لها شهادات ذات قيمة في سوق العمل والتعليم المحلي والدولي، ويُدرّ إيرادًا ماليًا لا يُستهان به.
إنَّ تأطير هذه الرؤية بشراكات حقيقة تتضافر فيها جهود القطاع الرسمي والخاص الأكاديمي، ومؤسسات المجتمع المدني؛ لِرفد جهود سيد البلاد جلالة الملك عبد الله بن الحسين و ولي عهده الأمين لوضع الأردن في مكانته الدولية المرموقة.
وتشير الإحصاءات الدولية إلى أنَّ سوق تعليم اللغات الأجنبية عالميًا يتجاوز (60) مليار دولار سنويًا، وتُظهِر ازدياد الطلب على تعلم اللُّغة العربية في آسيا وأوروبا وأفريقيا؛ لأسبابٍ دينية وثقافية وسياسية واقتصادية. وبالتالي، فإنَّ تقديم الأردن كوجهةٍ مثاليَّة وآمنة ومُتخصِّصة في هذا المجال يُعَدُّ فرصة ذهبيَّة لجذب آلاف الطلبة سنويًا، علاوة على خلق فرص عمل جديدة محليًا للكوادر التدريسية الأردنية المؤهلة، وخارجيًا يعزّز من تصدير الكفاءات التعليمية الأردنية المُحترِفة. ونستقرئُ من التجارب الناجحة، مثل تركيا، حيث تحولت برامج اللُّغة فيها إلى "صناعة تعليمية" تستقطب عشرات الآلاف من الطلبة سنويًا، وتضيف إلى اقتصادها مبالغ تُقدَّر بملايين الدولارات سنويًا، سواء من الرسوم الدراسية أو الأنشطة الثقافية والسياحية المُرتبطة بها.
إنَّ إيلاء برامج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها الاهتمام الرسمي الذي تستحقه؛ سيُعزّز من مكانة الأردن كمصدر للثقافة العربية والإسلامية، ويُوطِّن للدبلوماسية الثقافية، ويُوسّع نطاق التأثير الأردنيّ إقليميًا ودوليًا خصوصًا في ظلّ الظروف الإقليمية والدولية الراهنة، التي تفرض الأردن كموقع استراتيجيّ مُؤهَّل ليكون رائدًا عالميًا في هذا الحقل.
فليَكُن تعليم اللُّغة العربيَّة للناطقين بغيرها مشروعًا وطنيًا شاملاً، يُعزّز مركز الأردن كوجهةٍ للعلم والمعرفة والثقافة، ويَرفد الاقتصاد الوطنيّ.
najimq1@yahoo.com