من يستخدم الغطرسة (الغرور والجبروت، أي من يظن بتملّك الحق المطلق في السيطرة وفرض القرار بالقوة، وممارسة التجويع على آخرين، والتصرف بظلم وتعالٍ دون احترام لحقوق الآخرين العادلة والتاريخية)...
ومن المفروض أن من يملك مراكز أبحاث كثيرة أن يقوم بتوعية ممارسي الغطرسة والقوة، بأن الإمبراطوريات التالية حكمت، وسبب زوالها، وشكل الغطرسة التي أدت إلى سقوطها وزوالها.
وإليكم ما قرأته:
الفرعونية (المصرية) من القرن 15 ق.م حتى 1200 ق.م تقريبًا
أسباب السقوط: توسع عسكري وفرض السيطرة، وانتهت بمقاومة الشعوب.
الآشورية 900–612 ق.م
أسباب السقوط: بطش وقمع وتمزيق المجتمعات، وانتهت بالثورات الداخلية وهجمات البابليين.
البابلية الجديدة 612–539 ق.م
أسباب السقوط: سبي وتهجير، وسقطت أمام الفرس.
الفارسية الأخمينية 539–332 ق.م
أسباب السقوط: فرض الضرائب والثقافة بالقوة، وسقطت أمام الإسكندر المقدوني.
اليونانية (المقدونية) 332–63 ق.م
أسباب السقوط: تعالٍ ثقافي وفرض الهيلينية، سقطت بسبب الانقسام الداخلي وضعف الحكم.
الرومانية 63 ق.م – 395 م
أسباب السقوط: استبداد وفرض أمور لا تُطاق واستخدام القوة العسكرية، فانتهت بتفكك الإمبراطورية.
البيزنطية (الروم الشرقية) 395 – 636 م
أسباب السقوط: اضطهاد، فسقطت أمام الفتح الإسلامي.
الصليبية 1099 – 1291 م
أسباب السقوط: استعمار واستعلاء، وسقطت بقيادة صلاح الدين الأيوبي.
العثمانية 1516 – 1918 م
أسباب السقوط: تسلط مركزي واحتقار الآخرين، وضعف داخلي، وانتهت بهزيمة في الحرب العالمية الأولى.
الاستعمار الفرنسي/البريطاني 1918 – 1946 م
أسباب السقوط: سيطرة بالقوة، وانتهت بالثورات والمطالبة بالاستقلال الوطني.
كل هذه الإمبراطوريات امتلكت قوة عسكرية وتنظيمية هائلة، لكنها مارست الغطرسة بأشكال مختلفة: القهر، الاستغلال، محاولات محو الهوية، أو التوسع بالقوة.
لم تبقَ أي منها، لأن الشعوب قاومت، والتاريخ لا يرحم المتغطرسين.
فالمنطقة، كما في التاريخ، كانت مركزًا للصراع بين الإمبراطوريات الكبرى، وتعاقب عليها حكم قوى ظنت كل واحدة منها أن بقاءها أبدي: الإمبراطورية الآشورية، البابلية، الفرعونية، الفارسية، اليونانية، الرومانية، البيزنطية، الصليبية، العثمانية، وحتى الاستعمار الفرنسي والبريطاني.
وهذا دليل تاريخي على أن الغطرسة، بمحاولات إنكار حقوق الآخرين، ومهما امتلك المتغطرس من قوة عسكرية وجيوش، لا يمكن أن تصمد أمام إصرار الشعوب على نيل حقوقها العادلة، وتغيّر الزمن لصالح أصحاب الحق.
ولقد أثبت التاريخ أن القوة العادلة هي التي تدوم فينصفها التاريخ.
ففي القرن العشرين، انهار نظام هتلر النازي الذي قام على التوسع والغطرسة، لأن الغطرسة تؤدي إلى الغرور، والغرور يعمي البصر والبصيرة، فيتخذ المتغطرسون قرارات خاطئة، ويستهينون بحقوق الآخرين العادلة، وقد يمارسون التجويع كسلاح، مما يُعجّل بسقوط أي قوة متغطرسة.
ولا يمكن أن تدوم قوى الغطرسة، والذي يدوم هو العدل، واحترام الآخرين، والسلام، والتنمية، والتوازن، والإنصاف، والتواضع.
ومن يأخذ العبر من التاريخ، ويؤمن بالسلام العادل، والتعاون، والتنمية، وعطاء حقوق الآخرين بعدل وإنصاف، يخلّده التاريخ.
ومن يقرأ التاريخ يأخذ دروسًا وعِبرًا.
فمن يهبّ لنجدة الآخرين، ومدّهم بما يحتاجونه من دواء وطعام لإبعاد الجوع عنهم والأمراض، سيخلده التاريخ بإنصاف، ويلتف الجميع حوله.
ومن يعمل من أجل السلام العادل، والتنمية، والتعاون، ولمصلحة الشعوب، سيخلده التاريخ.