"إعادة الروح للأمكنة القديمة بالبرامج الثقافية"

البيوت، هي مخزن الذاكرة ودفاتر السلالة، في كل ركن منها، ثمة حكاية وقصة وأسرار، وكثير من أحايين الفرح، وكذلك الحزن.

بيوتنا التي كانت تشفق علينا صغار في حر الشمس وقر البرد، فتطوي على ضلوعنا أرديتها، وتظللنا بدفء روحها، وكانت جدرانها صفحات لأحلامنا وأمنياتنا التي ظلت تنمو معها كأشجار التين والزيتون والعنب الذي يتعربش أكتاف المكان.

هذه البيوت، التاريخ، والتراث بمعمارها المتميز الذي يستمد شكله من تفاصيل البيئة المحيطة، لتحسبه نابتا من شقوق صخورها، وتشم رائحة الذين كانت أنفاسهم تبخر المكان بطيبها وطيبتها، هذه البيوت التي تشبهنا ببساطتها، ونشبهها في صلابتها..

وهذه البيوت الباذخة باتساعها وعلوها وجمالها، الفسيحة ساحاتها، الدافئة ردهاتها وغرفها، التي تتكئ جدرانها على جدرانها بنمط العقد، بزخارفها ونقوشها وأعمدتها وأقواسها وقبابها وشرفاتها التي تمتد في الفضاء كراحة يد تضرع إلى السماء..

هذه البيوت، تمثل هويتنا وتعبر عن ثقافتنا، وتتجلى في ديمومتها وإدامتها العلاقة الجدلية بين الإنسان والمكان والزمان، وتحديدا البيوت التراثية التي تنتشر في مدننا العزيزة، من السلط، والكرك، وإربد ، والمفرق ومعان والزرقاء وجرش ومادبا وعجلون والعقبة والطفيلة والعاصمة عمان.

ولكل من هذه البيوت حكاية وقصة ورواية، وهي تمثل آية عمرانية وجمالية وفنية هندسية تشهد على تحولات المكان والعمران، وبعض هذه البيوت يحتاح إلى ترميم، وبث الحياة فيه وإنعاشه من خلال النشاطات والبرامج الثقافية، ووتحويلها إلى فضاءات للإبداع ومتاحف تراثية ومكتبات لخدمة المجتمع.

وقد كان لي شرف بالمشاركة في تكريم كوكبة من القامات والشخصيات والذوات الوطنية في السلط، والذين بادروا إلى ترميم بيوت الأجداد التي يعود بعضها إلى الحقبة التركية، وضارعت معمار نابلس ودمشق على نفقتهم الخاصة، وهي مبادرة تستحق الثناء والتقدير والاحترام، لأنها تعيد ترميم المكان وأرواح ناسه، وتعبر عن الاعتزاز بالمكان والانتماء للوطن.

وهي مبادرة حضارية ووطنية وإنسانية للجمعية الأردنية للمحافظة على التراث (تراثنا ذهبنا) حَريةٌ بالتعميم، وأن تنقل المبادرة إلى كل أرجاء الوطن لتكون الأمكنة مزارات سياحية وفضاءات ثقافية.

وقد بادرت وزارة الثقافة، وبموازاة إعلانها عن منصة "تراثي" التي ستطلق مطلع تشرين الثاني المقبل، إلى إعداد وإصدار خريطة للبيوت والمباني التراثية، وهي دعوة لأصحاب البيوت والمجتمع المحلي إلى إعادة الروح إلى مكان روح الأجداد .