من الوجاهة الاجتماعية إلى العدالة الاجتماعية
د. اسامة تليلان
01-09-2025 11:54 AM
أحيانا يكشف مشهد بسيط عن معانٍ أعمق مما يبدو عليه. فعندما لا تعود ترى سيارة تحمل رقما مميزا كرمز للترف الاجتماعي، وإنما كإسهام غير مباشر في منفعة عامة تتمثل في دعم الطالب الجامعي والحق في التعليم، تدرك كيف يمكن لمثل هذه القرارات أن تُحدث تغييرا جوهريا يعيد تعريف العلاقة بين القرار الإداري والمجتمع. إنه باختصار انتقال من الوجاهة الاجتماعية إلى العدالة الاجتماعية، هكذا يمكن قراءة دلالات القرار الحكومي الأخير."
أهمية هذه الخطوة لا تُقاس فقط بملايين الدنانير التي ستدخل إلى صندوق الطالب الجامعي - على أهمية الحاجة إليها - بل في المغزى الذي تحمله، بأن المال العام يمكن أن يكون قريبا من حياة الناس اليومية ومعاناتهم وآمالهم، وأن القرارات الإدارية ليست بيروقراطية جامدة بقدر ما هي جسور ثقة بين الدولة والمجتمع.
من الواضح أن هذه الحكومة لا تكتفي بإدارة الملفات والبحث عن حلول تقليدية، بل تختط نهجا قائما على التفكير خارج الصندوق، والبحث عن آليات مبتكرة تخدم الصالح العام، وتعيد تموضع وظيفة المال العام باعتباره أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية والنفع العام.
ويُسجَّل لهذا القرار، بما يحمله من نهج يعكس رؤية الحكومة ورئيسها، أنه يرسخ العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص أساسا للمواطنة، ومحورا وغايةً مشتركة بين الدولة والمجتمع. فعندما تُوجَّه عوائد القرار إلى صندوق الطالب الجامعي، فإن ذلك يؤكد أن التعليم حق عام، ويجب أن يكون رافعة للارتقاء الاجتماعي في ظل غياب التوريث، لا عبئا يثقل كاهل الأسر. وهنا يتجسد عمليا البعد الأعمق للعدالة الاجتماعية، حيث تُدار الموارد العامة بما يضمن توزيعا أكثر عدالة، ويمنح الشباب فرصا متساوية للعبور نحو مستقبل أفضل.
وبهذا المعنى، يتجلى مغزى سياسي - اجتماعي عميق يؤكد أن الاستثمار الحقيقي هو الاستثمار في الإنسان، وأن بناء الثقة بين الدولة والمجتمع يقوم على قرارات عملية تجعل من الشفافية أساسا للثقة، ومن تكافؤ الفرص أفقا للتنمية، ومن العدالة الاجتماعية جوهرا للاستقرار.
وتعزيزا لأهمية هذه الخطوة، تبقى هناك إجراءات ضرورية لا بد من العمل عليها، لضمان استفادة الطلبة الأكثر حاجة، وتحويل هذه التجربة إلى سياسة مستدامة تؤسس لنهج أشمل يعالج بنية التعليم والتمويل العام.
والبعد الجوهري هنا، أن القرارات تحمل معاني كبيرة عندما تُربط بكرامة المواطن وعدالة المجتمع، وتفتح الباب أمام فرص متساوية تبني مستقبلا أكثر عدلا واستقرارا. وهذا يُحسب لنهج مدرستنا الهاشمية في الحكم.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية ترسيخ ثقافة تُجسّد جوهر هذا النهج، بحيث يكون لكل قرار مردود مباشر على حياة الأردنيين. فالإصلاح المدني الرشيد يقوم على الشفافية والعدالة والمساءلة، وعلى دراسة الأثر الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي للقرارات، بما يضمن أن تُترجم السياسات إلى تحسين ملموس في حياة الناس. تلك هي الرسالة الأعمق للإصلاح المدني الرشيد، وتلك هي البصمة التي تُسجَّل اليوم للرئيس وحكومته.