البيانات وحوكمة المستقبل: قراءة في الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي
د. أحمد العقيلي
16-09-2025 12:51 PM
في عصر تتسارع فيه وتيرة التحولات الرقمية، لم تعد البيانات مجرد أرقام أو ملفات خام، بل أصبحت موردًا استراتيجيًا يعادل في قيمته الموارد الطبيعية التقليدية. فهي الأداة التي تصنع بها الدول قراراتها، وتبني من خلالها اقتصاداتها، وتعيد صياغة علاقتها بالمجتمع.
غير أن تحويل البيانات إلى قوة فاعلة للتنمية لا يتحقق تلقائيًا، بل يحتاج إلى منظومة متكاملة تقوم على ثلاثة عناصر رئيسية: البنية التحتية الرقمية، حوكمة البيانات، والكفاءات البشرية.
العنصر الأول هو البنية التحتية الرقمية التي تمثل الأساس لأي تحول رقمي ناجح. شبكات اتصالات متطورة، مراكز بيانات حديثة، وحلول حوسبة سحابية آمنة، كلها مكونات حيوية لضمان تدفق البيانات وانسيابية الوصول إليها. فبدون هذه الأرضية الصلبة، تبقى المبادرات الأخرى عاجزة عن تحقيق أثر ملموس. وتجارب دول رائدة في هذا المجال تؤكد أن الاستثمار في البنية التحتية هو الشرط الأول لتأسيس اقتصاد رقمي متماسك.
أما العنصر الثاني فهو حوكمة البيانات التي تمنح البيانات قيمتها وتحدد كيفية استثمارها. فوجود سياسات وطنية واضحة لإدارة البيانات، تحدد آليات جمعها وحمايتها وضمان جودتها، يخلق بيئة من الثقة بين المؤسسات والمجتمع، ويجعل القرارات أكثر استنادًا إلى الأدلة والمعطيات الدقيقة. والأهم أن الحوكمة تشكل حجر الأساس للجاهزية نحو الذكاء الاصطناعي، إذ إن أي نظام يعتمد على خوارزميات متقدمة لن يحقق نتائج دقيقة إذا لم تُبْنَ على بيانات منظمة وموثوقة وآمنة.
العنصر الثالث هو الكفاءات البشرية التي تمثل جوهر أي عملية تحول رقمي. فالمهارات المتخصصة في إدارة البيانات وتحليلها وتطبيقاتها بالذكاء الاصطناعي هي ما يترجم الإمكانات التقنية إلى قيمة اقتصادية واجتماعية. من هنا، يصبح الاستثمار في تدريب وتأهيل الكوادر الوطنية شرطًا لا غنى عنه، ليس فقط لسد فجوة المهارات، بل أيضًا لخلق جيل من القادة الرقميين القادرين على قيادة المستقبل.
الأردن، عبر الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي 2026–2028، يسعى إلى مواءمة هذه العناصر الثلاثة في منظومة واحدة متكاملة. فالبنية التحتية الرقمية تتطور بخطى ثابتة، وحوكمة البيانات باتت ضمن أولويات السياسات الوطنية، بينما يشكل الاستثمار في رأس المال البشري ركيزة لضمان استدامة التحول. وإذا ما تكاملت هذه الأبعاد، فإن البيانات لن تكون مجرد أداة تشغيلية، بل قوة دافعة للتنمية المستدامة، تعزز جودة الخدمات، ترفع من تنافسية الاقتصاد، وتضع الأردن في موقع ريادي على خارطة التحول الرقمي الإقليمية والعالمية.
* مدير مركز المعلومات الوطني للعلوم والتكنولوجيا