الصرخة .. صرخة وطن وثقافة
د. اسامة تليلان
24-09-2025 09:27 AM
قبل أيام، استقبلنا في مقر الحزب، بدعوة من لجنة العمل النقابي، مجموعة "الصرخة" التي تمثل عددا من الفنانين الأردنيين. كان لقاءً صريحا وشفافا، استمعنا فيه إلى مطالبهم وقراءتهم لأزمة الدراما الأردنية. في مداخلتي، أكدت ان العمل الحزبي في جوهره فعل ثقافي وقيمي، وسعيت إلى توسيع زاوية النقاش، موضحا أن هذه الصرخة لا تقف عند حدود الدراما وحدها، بل تمسّ القطاع الثقافي بأكمله، بما فيه المسرح، الموسيقى، الفلكلور، والفنون البصرية، وأكثر من ذلك رسم السياسات الثقافية العامة.
عندما تسلمت قيادة الحزب الديمقراطي الاجتماعي ضمن ظرف استثنائي وحرج ووقت ضيق، كنت مؤمنا أن السياسة من دون ثقافة تتحول إلى إدارة أزمات بدون رؤية. لهذا عملت على فتح مسار ثقافي حقيقي: لقاءات مع ممثلين عن فرق الفلكلور والتراث، نقاشات مع مبدعين، وتواصل مع هيئات ثقافية مختلفة في الشمال والوسط. بهدف التأكيد على ان العمل السياسي الجاد لا ينفصل عن العمل الثقافي، وأن بناء الوعي الجماعي شرط لأي إصلاح مستدام، وكذلك من أجل بناء علاقة وطيدة ما بين الثقافة والاحزاب بعد أن اصابها ما أصابها من الوهن والشكوك.
اليوم، مع التحولات السريعة من المنصات الرقمية إلى اقتصاد المعرفة باتت الحاجة إلى الفعل الثقافي مضاعفة، بقدر جاجتنا إلى خطاب جديد، إلى مبادرات تصل إلى الشباب، وإلى فن يفتح حوارا واسعا على مدى ساحات وحارات الوطن، ومناطقه النائية التي لا يصلها أي فعل ثقافي.
الدراما مساحة يلتقي فيها المجتمع مع نفسه، وتعكس تحدياته، وتمنح الناس فرصة للتأمل في واقعهم. ما عبّر عنه الفنانون لا يتعلق فقط في تحسين ظروف الإنتاج وإنما أيضا حق المجتمع في أن يرى نفسه على الشاشة وأن يسمع صوته بلغته وقضاياه.
أزمة الدراما تكشف عن أزمة أكبر يعيشها القطاع الثقافي وفي مقدمتها، ضعف التمويل وعدم وجود رؤية واضحة لدور الثقافة في التنمية، وتراجع المشاركة الشعبية في الأنشطة الثقافية التقليدية، والحاجة لاستراتيجية وطنية تجعل الثقافة جزءا من مشروع التحول إلى اقتصاد المعرفة والابتكار والريادة في إطار مجتمع مبدع.
لهذا نحن بحاجة إلى إطلاق مشروع ثقافي متكامل، يضمن دعم الإنتاج الدرامي والمسرحي والموسيقي، وتوفير حاضنات للإبداع الشبابي، وإدماج الثقافة في السياسات التنموية والتعليمية والاقتصادية، والتحول الجذري الى رسم السياسات الثقافية الوطنية، وتوفير البيئة الثقافية للانخراط في عصر المعرفة والرقمنة والاقتصاد الجديد.
"الصرخة" التي أطلقها الفنانون ليست مطلبا قطاعيا ضيقا، بقدر ما هي دعوة مفتوحة لإعادة بناء المشهد الثقافي الوطني. هي نداء لأن نعيد للثقافة دورها كقوة تغيير وصناعة الوعي، بعيدا عن التعامل معها كمؤسسة تنفيذية للأنشطة الموسمية.
إن حاجتنا اليوم إلى الفعل الثقافي مضاعفة، كي نهيئ مجتمعا قادرا على استيعاب التحولات الكبرى في الاقتصاد والتكنولوجيا والرقمنة وتبعاتهم وتحولاتهم الجذرية، وكي نحافظ على قيم المشاركة والديمقراطية حيّة ومتجددة.
"الصرخة" صرخة ثقافة ووطن ومسار للعمل المستمر وفرصة لربط االثقافة في قلب مشروع التحديث الوطني. وأملنا في الرئيس النشط المتابع لكافة الملفات أن يولي هذا الملف أولوية اساسية توازي حجم الحاجة الى تحديث المنظومة الثقافية بشكل ينسجم مع حجم التحدي الثقافي الكبير في هذه المرحلة.