جيل زد: ألهوه مع الطبقة السياسية في الأردن
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
12-11-2025 01:45 PM
جيل زد كان السبب في نجاح ترامب و هو اليوم سبب نجاح ممداني اي انه قلب الطاولة مرتين لكن العامل المشترك هو رفض هذا الجيل للسياسة الاقتصادية الحالية التي ترى تراجع الطبقة الوسطى بالتالي تراجع فرص العمل مع تنامي شعور بعدم عدالة المنافسة على الفرص لجيل جوهره البحث عن الامن المالي. سنرى تاثير اكبر لهذا الجيل في الأشهر و السنوات القادمة. لكن ماذا عن الاردن التي تقريبا تعاني نفس المشاكل الاقتصادية و ان كان بشكل اعمق قليلا. ذلك ما دفعني منذ سنوات لدراسة الية تفكير و سلوك جيل زد و علاقتها بالمجتمع و مؤسسات الدولة و سأطرح رايي على ثلاث مقالات هذه الاولى.
لقد تابعت بعض تصريحات المسؤولين في الفترة الاخيرة و التي اكدت لي قناعتي التي كتبت فيها سابقا ان هنالك هوة تتسع بين طبقة المسؤولين و السياسيين من جهة و جيل زد و بالتالي ايضا ستكون مع جيل الفا.
لقد قضيت سنوات في محاولة فهم جيل زيد و الفت بذلك كتابين في برمجة العقل الباطن من هذا المنطلق لقناعتي ان العالم باكمله سيتغير بمعايير جيل زد و كنت اتمنى ان يكون نجاح ممداني في نيوورك ناقوس تنبيه بان هنالك موجة قادمة لا بد ان نتعامل معها لان هذا الجيل يمكن احتواؤه و لكن لا يمكن مواجهته.
حتى السياسيين المخضرمين في امريكا اكتشفوا ان هذا الجيل سيؤثر بالانتخابات و بالتالي سنرى محاولات في الغرب للتعامل مع هذه الظاهرة. حتى اسرائيل اليوم تخسر معظم حواضنها في الغرب بكل ما تملك من لوبيات تاثير و قدرات مالية و اعلامية و ذلك لفشل الطبقة السياسية هنالك في فهم تاثير هذا الجيل الذي اصبح يشكل ما يزيد على 20 بالمئة من السكان و هو في ازدياد نتيجة انضمام الجيل الاقرب له و هو جيل الفا.
ساطرح في هذه المقدمة بعض خصائص جيل زد لقناعتي ان الخطاب الرسمي في الاردن من الحكومة و مجلسي الاعيان و النواب ما زال ضمن قواعد الخطاب لاجيال الطفرة و اكس و لدرجة اقل جيل الألفية و هو ما يوسع الهوة و يضعف اي تحديث سياسي او تنموي.
كما ذكرت في مقال سابق بان الأردن يواجه في هذه المرحلة مشكلتين الاولى اعادة تشكيل النظام العالمي منطلقا من الشرق الاوسط و دون احترام للمسلمات و الأدوار التاريخية و لكنني للامانه مطمئن في هذا الملف كون جلالة سيد البلاد و سمو ولي العهد يقودانه بما يمتلكان من شجاعة و حكمة و علاقات دولية و بالتالي سيعبران بالاردن هذه المرحلة باقل الخسائر ان لم يكن بمكتسبات ايضا.
اما المشكلة الثانية فهي ما يقلقني و التي هي الجبهة الداخلية بمشكلتي البطالة بين الشباب و الظروف المعيشية و التي هي مسؤولية الحكومة و المؤسسات. طبعا في الملف الثاني هنالك توجيهات ملكية و لكن لا نتوقع ان يدخل جلالته في التفاصيل خصوصا في ظل تحديات وجودية محيطة. لذلك تبقى المسؤولية على الوزراء و الاعيان و باقي المسؤولين في تطوير خطاب يحتوي جيلي زد و الفا و يعززان ثقة هذين الجيلين بالمؤسسات و الدولة و القيادة الهاشمية.
جيل زد هو جيل انتمائه عابر للحدود و الأعراف الاجتماعية و العقائدية و حتى التاريخية بمعنى انه ينتمي لمجتمع افتراضي تاريخه مرتبط بالثورة الرقمية و الذكاء الاصطناعي و وباء كورونا و الدراسة عن بعد و لا يقيم وزنا كبيرا للقيود الاجتماعية و التاريخية بالتالي فان الخطاب القائم على الشعارات او الدين او الهوية بمفهومها التقليدي لا يجد اذان صاغية.
كذلك فان هذا الجيل قلق متوتر نتيجة شعوره بانه يواجه الحياة وحيدا بدون سند مالي و اجتماعي نتيجة تراجع فرص العمل و الضغوط المالية لذلك فان الشعارات و الوعود لن تعيد له الامل او الثقة بل يحتاج مبادرات حكومية مقنعة قابلة للتطبيق و يرى جزء من نتائجها ليستعيد الامل و الانتماء. هذه تحتاج افكار ابداعية خارج الصندوق. للامانه و من خلال محاولاتي لطرح افكار ابداعية فان معظم المسوؤلين اليوم غير منفتحين على مثل هذه الطروحات و لا اعرف هل لانهم اسرى روتين و قواعد حكومات سابقة ام لانهم مقيدون في المبادرة و القرار كما يعطي بعضهم الانطباع احيانا. هذا قد يفسر الخطاب الجامد الذي نجده ما زال موجها لحيل الطفرة و جيل اكس حتى من مسؤولين اصغر عمرا.
جيل زد هو اكثر جيل مؤمن بالقيم العابرة للحدود مثل المنافسة العادلة و قبول الاخر لذلك نرى ان قوته في امريكا تزداد و بالتالي فان تاثيره في العالم سيزداد. قد يكون ذلك تفسيراً للردود على تصريحات بعض المسؤولين و التي لو كانت قبل 20 عاما لكانت فعالة و لكنها اليوم تواجه بعاصفة انتقادات و يرى فيها جيل زد استفزاز.
جيل زد هو اول جيل رقمي اصيل و بالتالي فان مصادر الاخبار و الية تفكيره ليست القنوات التلفزيونية او الإذاعية بل قد يكون تطبيق تيك توك اهم مصدر لهذا الجيل و كونه جيل رقمي بارع جدا فان افكار حضر تطبيقات لن تكون مجديه معه.
برايي ان الخطاب الحكومي و حتى خطاب الاحزاب ما زال موجها لجيل الطفرة و جيل اكس و بالتالي فان تأثيره الاجتماعي و الشبابي ما زال بعيدا حتى لو كان هنالك مشاركة لنسبة من الشباب الطامحين.
لا اريد ان اطيل لقناعتي ان الهوة تتسع و لا اجد قناعة حقيقية في تضييقها باستثناء توجيهات جلالة الملك و سمو ولي العهد و التي تحتاج لترجمة على ارض الواقع من طبقة المسؤولين و السياسيين التي تمثل حلقة الوصل بين القيادة الهاشمية و اجيال زد و الفا. لذلك اتوقع موجة تأثير لهذا الجيل ستبدا من الولايات المتحدة و ستنتشر و ستكون مدعومة سياسيا لحاجة المسؤولين في امريكا للأصوات الانتخابية لهذا الجيل الذي لا يلتزم بالمعايير القديمة و تأثير اللوبيات و الإعلام التقليدي و الاصل ان نكون في الاردن سباقين لاحتواء هذا الجيل بخطاب و مبادرات و أفكار تناسبه حتى لا تضطر الحكومة يوما لمواجهته.