جيل زد2: رحلة في اعماق عقله الباطن
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
14-11-2025 01:20 PM
هنالك اهتمام متزايد في الغرب لفهم الية تفكير و الالية الأنسب للتواصل مع جيل زد حيث بات جليا ان هذا الجيل هو بيضة القبان في حسم نتائج الانتخابات. يتركز الاهتمام لان هذا الجيل كان خلف نجاح الرئيس ترامب و نقيضه عمدة نيورك ممداني. ما جمع الاثنين بالنسبة لجيل زد ان كليهما تقدم بطرح مناقض و نسبيا مضاد للنظام السياسي و الاقتصادي التقليدي في الولايات المتحدة و الذي تغيب فيه الثقة لجيل زد و لا يجده نظام يحقق طموحاته او افكارة او قناعاته. ذلك قد يفسر عدم رضا الرئيس ترامب عن نتائج انتخابات نيورك فكلا المرشحين يتنافسان على نفس الجيل الانتخابي الذي يمثل 20 بالمئة من السكان و ما يزيد عن عن ذلك من نسبة الناخبين.
لذلك فان فهم جيل زد و تكييف خطاب و مبادرات مناسبه لاحتوائه في منطقتنا تصبح أكثر الحاحا. في هذه العجالة سأغوص في رحلة للعقل الباطن لهذا الجيل و التي برأيي لا يختلف فيها جيل زد في الاردن عنه في امريكا او أوروبا او مصر او اي دولة اخرى.
الحياة لجيل زد كما في الأجيال الاخرى تعتمد على السلوك اليومي و ما نكرر فعله و التي ألخّصها في محاور وضعتها في الاتي (FORMS, family-occupation-Recreation-Meaning-Self confidence and inner safety ) و هذه تاتي من قناعات و اتجاهات شكلها العقل الباطن تحت تاثير الدوافع و المخاوف و التكيف الاجتماعي.
الدوافع لجيل زد تنبع من الطموح للوصول لأمن مالي و هو جوهر تفكير جيل زد و لكن المخاوف في هذا المجال قائمة من تفتح وعيه على نظام اقتصادي أدى إلى تراجع الطبقة الوسطى و زيادة التضخم و تراجع الفرص الوظيفية و بالتالي فان التعليم الذي كان يوما طريقا للأمن المادي و الارتقاء الاجتماعي لم يعدّ كذلك. لذلك فقد جيل زد الثقة بالنظام الاقتصادي و بالتالي بالنظام السياسي و رموزه و لم يعد معنيا بالأرقام و النمو بقدر ما هو معني بانعكاساته على تكاليف المعيشة و السكن بشكل ملموس.
اجتماعياً فان جيل زد هو الجيل الرقمي الأصيل الاول و بالتالي فهو ينتمي لمجتمع افتراضي عابر للحدود ليس معنيا كما يعتقد الكثيرون بالقيود الاجتماعية من الأعراف و الأعراق و الدين و التاريخ فالتاريخ الذي ينتمي اليه هذا الجيل هو تاريخ إنساني مشترك شكلته الثورة الرقمية و تطبيقات التواصل الاجتماعي و وباء كوفيد و الحياة خلف شاشات الكمبيوتر و الهواتف الذكية. لذلك نجد على سبيل المثال ان جيل زد من اليهود الامريكان صوتوا لترامب ثم لممداني.
ان تراجع الانخراط الاجتماعي الحقيقي لهذا الجيل شكل له مصادر جديدة للأفكار و القيم قائمة على قيم انسانية مشتركة مثل العدالة و قبول الاخر و حق الفرص المتساوية و لكنه ايضا تسبب في هشاشة نفسية حيث ان العالم الافتراضي بلا عواطف باستثناء أزرار الإعجاب و الفولو و عدد المتابعين.
ما سبق خلق جيل متوتر فاقد للثقة بالمجتمع التقليدي و النظام السياسي و الاقتصادي التقليدي مصدر الاخبار لديه ليس القنوات التلفزيونية و لكن تطبيقات مثل تيك توك و سناب جات و مصادر تعلم ليست المدرسة و الجامعة و لكن تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل جات جي بي تي و ديب سيك. لذلك فان الخطاب التقليدي الموجه إلى اجيال الطفره و اكس و الألفية يرى فيه الجيل استفزازا أكثر منه الية تواصل خصوصا انه بالعادة صادر من سياسيين تقليديين يرى فيهم جيل زد سبب مشاكله الاقتصادية لذلك ان اتيحت له الفرصة فانه سيواجه هؤلاء و سيرفض اي طروحات تقليدية سواءا سياسية او اقتصادية او ثقافية او اجتماعية.
برأيي ان جيل زد هو الأذكى بين الأجيال و الأقدر تكنولوجيا و بالتالي فان الخطاب القائم على غير الحلول الإبداعية و الأفكار خارج الصندوق او القائم على الاقصاء و التهميش و الخطاب القائم على الشعارات و أستثارة العواطف التقليدية لن يجد آذانا صاغية.
نعود لجوهر تفكير جيل زد و هو البحث عن الامان المادي في توقيت يشهد به العالم اجمع تحديات اقتصادية و تراجع في فرص العمل فانني أتوقع ان تتمكن الدول العربية الغنية من احتواء هذا الجيل بسهولة اما الدول محدودة الموارد مثل الاردن و مصر و سوريا و غيرهم فهي تحتاج لجهد مضاعف تنفتح فيه على المبادرات الإبداعية التي تعيد الامل لهذا الجيل و يرى جزءا من اثره المباشر فهو جيل الصورة و السرعة و بالتالي لن يأبه بالوعود. بالتالي فإما ان يغير الكثير من المسؤولين الية تفكيرهم و بالتالي الية الخطاب و إلا ستجد الحكومات نفسها في مواجهة جيل يمكن احتوائه و لكن يصعب مواجهته خصوصا مع ما سيحصل عليه من تعاطف من جيل زد في الدول الغربية.
انني ارى ان الحل يكمن في احدى ثلاث الاولى تشكيل هيئة مستقلة من مجموعة خبراء في السلوك و الخطاب و المبادرات و البصائر السلوكية موجهة لجيل زد او ان تتولى مؤسسة سمو ولي العهد المهمة من خلال لجنة استشارية من الخبراء تقدم المقترحات في التواصل و الخطاب و المبادرات و الافكار لصاحب السمو الملكي الذي يعتبر الأقرب لهذا الجيل و اما الثالثة فهي التركيز على الوزارات الثلاث الثقافة و الشباب و العمل لتخرج بمبادرات و لغة خطاب جديدة مستمدة من توجيهات سيد البلاد جلالة الملك عبدالله المفدى.
بذلك فقط يكون الجميع عونًا لجلالة الملك و سمو ولي عهده الامين و بذلك فقط يتم حمل جزء من المسؤولية الداخلية ليتفرغ سيد البلاد للتحديات الخارجية الجسيمة التي تواجه الاردن.
ان اي طرح لتغيير جيل زد ليكون نسخة عن جيل الطفرة و جيل اكس و التعامل معه كجيل غير رقمي هي نظرة قاصرة و الأجدر ان نستفيد من هذا الجيل لدفع عجلة التنمية و تعزيز الجبهة الداخلية و ان نقدم نموذجا متطورًا يتماشى مع رؤية سيد البلاد و سمو ولي عهده ليكون هذا النموذج قدوة لغيرنا.