شهد الأردن اليوم خطوة مهمة على صعيد الأمن الرقمي، مع زيارة سمو ولي العهد، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، إلى المركز الوطني للأمن السيبراني. هذه الزيارة ليست مجرد حدث بروتوكولي، بل تحمل مؤشرات استراتيجية على توجه المملكة نحو تعزيز بنيتها الرقمية وحماية بيانات الدولة والمواطنين من التهديدات السيبرانية المتنامية.

إن اختيار ولي العهد التركيز على الأمن الرقمي يعكس فهم المملكة المتزايد للتحديات التي يفرضها العالم الرقمي. ففي ظل تصاعد الهجمات السيبرانية عالمياً، بات من الضروري أن تمتلك الدولة آليات متقدمة لرصد التهديدات والتصدي لها، لا سيما في القطاعات الحيوية مثل الطاقة والمياه والصحة. زيارة ولي العهد تؤكد أن الأمن السيبراني لم يعد مجرد مسألة تقنية، بل هو ركيزة أساسية للأمن الوطني.

الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني للفترة 2025‑2028 التي استعرضها سموه، تركز على أربعة محاور رئيسية: حماية البنية التحتية، تطوير القدرات البشرية، حوكمة فعالة، وتعزيز التعاون الدولي. من المنظور التحليلي، هذه المحاور تظهر وعي الحكومة بالحاجة إلى تكامل الجوانب التقنية مع السياسات التنظيمية والبشرية. فالأمن الرقمي لا يمكن أن ينجح بدون كادر مؤهل، تشريعات واضحة، وبنية تحتية متقدمة.

أبرزت الزيارة عدة نقاط مهمة:
1. أولوية التدريب وبناء الكوادر: مواجهة الهجمات السيبرانية تتطلب خبرات متخصصة، وهذا يتطلب استثمارات طويلة المدى في التعليم والتدريب.
2. الوعي الرقمي للمجتمع: حماية البيانات ليست مسؤولية الدولة وحدها، بل مسؤولية كل مواطن ومؤسسة.
3. التعاون المحلي والدولي: التهديدات العابرة للحدود تتطلب شراكات واستراتيجيات مشتركة، وهو ما تؤكده المحاور الدولية في الاستراتيجية الوطنية.

رغم الإيجابيات، هناك تحديات واضحة أمام الأردن: الفجوة في الخبرات السيبرانية، وتزايد تعقيد الهجمات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ونقص التمويل في بعض القطاعات. ومع ذلك، تُظهر زيارة ولي العهد إرادة سياسية قوية للتغلب على هذه العقبات، وتبني الأردن لمنهجية استباقية في مواجهة التهديدات.

ان زيارة ولي العهد للأمن السيبراني هي أكثر من حدث رمزي؛ إنها إشارة واضحة إلى تحول الأردن نحو دولة رقمية آمنة. التحليل يظهر أن المملكة تسعى لربط السياسة، التكنولوجيا، والقوى البشرية في استراتيجية واحدة متكاملة، ما يعزز من قدرة الأردن على مواجهة التحديات الرقمية المستقبلية بثقة واستباقية.

وختامًا، فإن هذه الزيارة تؤكد أن الأمن السيبراني ليس خيارًا، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل الأردن الرقمي وحماية وطننا من المخاطر المتزايدة.