التصنيفات الجامعية .. ليست أولوية؟ (١)
أ.د. مصطفى محمد عيروط
24-11-2025 12:38 PM
لم تعد التصنيفات الجامعية في رأيي – التي تُدار في كثير من الأحيان من شركات استثمارية – معيارًا حقيقيًا لتقدم الجامعات، خاصة في دول تعاني بعض جامعاتها من أزمات مالية متراكمة. فبعض الجامعات ما تزال تفكّر يوميًا في كيفية تأمين رواتب العاملين، فيما يلجأ بعضها إلى الاقتراض بفوائد من البنوك، أو طلب الدعم، مما يطرح سؤالًا مهمًا: كيف تصبح التصنيفات أولوية بينما الأساسيات تحتاج في بعضها إلى تحديث؟
إن من غير المنطقي أن تُعلن إدارات جامعية عن تخصيص ملايين للبحث العلمي، أو مكافآت لنشر أبحاث في مجلات إلكترونية، في الوقت الذي تعاني فيه من مديونية عالية. ومن يبحث قليلًا في الإنترنت في طبيعة هذه التصنيفات سيجد أنها تُدار من شركات استثمارية عالمية، تحقق أرباحًا قد تصل بعضها إلى ملايين سنويًا، مما يثير تساؤلات حول السباق غير المبرَّر نحوها.
والأولوية في رأيي يجب أن تكون للطالب وعضو هيئة التدريس والإداريين وللخدمات الأساسية. فالطالب - كما أسمعه اليوم - لا يبحث عن ترتيب الجامعة، بل يريد مرافق صحية نظيفة، ومطاعم صحية، ومواصلات حديثة، ومقاعد وقاعات مريحة، ومكتبات مزوَّدة بالحبر وآلات التصوير. فالطالب يدفع بدل خدمات ويريدها متوفرة بسرعة وحديثة، وعضو هيئة التدريس والإداريون يريدون مكاتب مريحة تتوافر فيها وسائل الراحة، وبيئة جامعية تحترم احتياجاتهم. ويريد عضو هيئة التدريس توافر ما يلزمه من مكتبة متقدمة وقاعات مريحة وماكينات تصوير حديثة يتوافر فيها الحبر، وأن يكون في الجامعات أمان وظيفي وإدارات جامعية مكاتبها مفتوحة تستمع للجميع ولا يوجد إرضاءات وشعبويات مناطقية. كما أن من واجب إدارات الجامعات أن تعلن بشفافية عن أسماء مالكي الأكشاك للعلن وعلى مواقعها الإلكترونية، في كل جامعة لضمان العدالة والشفافية.
ويحتاج الطالب أيضًا إلى برامج دراسية حقيقية تُبنى على احتياجات سوق العمل، لا تغيير أسماء تخصصات على أساس أنها تطبيقية بهدف رفع الرسوم. كما يحتاج إلى دراسات دقيقة حول التشغيل داخل الأردن وخارجه، وأن يحصل على فرص عمل دون واسطة ومحسوبية، حتى لا يصبح جزءًا من البطالة التي تُعد خطرًا على أي مجتمع في العالم.
وفي المقابل، على الجهات المختصة – في رأيي – التدقيق في الالتزام بالدوام للطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية والإداريين، وعدم تصديق شهادات الطلبة الدارسين من الخارج في جامعات عامة وخاصة إلا بعد التدقيق من الحدود والأجانب للدخول والخروج.
لذلك، فإن الهندرة الإدارية الجذرية أصبحت ضرورة، وليس خيارًا. ولا يعقل أن تبقى الجامعات تعاني من مديونية عالية، بينما الحلول قد تُحمَّل ماليًا للطلبة في لجوء البعض لرفع الرسوم. فالنجاح الحقيقي للجامعات لا يأتي من التصنيفات كأولوية والمرافقة لإعلام كإنجازات، وإنما من قدرتها على الاستدامة، وخدمتها لمجتمعها، ورفع نسب التشغيل بين خريجيها، وبناء إدارة حصيفة تعتمد على الذات وتستثمر في الأولويات. فالتصنيفات يجب أن تكون نتيجة وليس هدفًا. وأقترح أن تركز الجامعات في إعلامها على إنجازات خدمية وبرامجية وإدارية بدلًا من أولوية التصنيفات في ظل مجتمع واعٍ ومثقف ومتابع وذكي ومحلل، ومن السهل معرفة الحقيقة والإنجازات على الواقع. وأن تتسابق الجامعات على إعلان نسب التشغيل للخريجين بالاسم والوظيفة والرقم في الضمان الاجتماعي والوظيفة الدائمة، وهذه برأيي الأولوية بدلًا من أولوية تصنيفات تُدار من شركات استثمارية عالمية. وإذا كان لها دور في استقطاب الطلبة فلتعلن أي جامعة عن أسماء وعناوين طلبة التحقوا بجامعات نتيجة تصنيفات جامعية. وأقترح أن تضع إدارات جامعية السباق نحو التصنيفات جانباً وتركز وتتذكر بأن جامعات كهارفارد وستانفورد أصبح تقدمها في تصنيفات عالمية نتيجة وليس هدفًا.
وأمام هذه الصورة فالإنجازات كثيرة ونجاحات في جامعات وطنية نعتز بها ونفتخر. وللحديث بقية.