جامعة العلوم الإسلامية العالمية .. استقلال إداري تحت مظلة المبادرة الملكية .. ولكن!
د.جلال الشورة
08-12-2025 05:58 PM
منذ صدور قانون جامعة العلوم الإسلامية العالمية رقم (15) لسنة 2008، ظهرت الجامعة ككيان أكاديمي مختلف داخل منظومة التعليم العالي الأردني، لا يمكن تصنيفها كجامعة رسمية كلاسيكية تابعة إداريًا للحكومة، ولا كجامعة خاصة بتمويل مستقل، بل كمؤسسة عامة ذات استقلال مالي وإداري، مميّزة بهويتها التي نشأت أساسًا عن مبادرة ملكية عبر مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي، لتكون منارة علمية عالمية تقدم الفقه والفكر الإسلامي بقالب حضاري معتدل.
هذا التأسيس ذو الخلفية الملكية لم يكن مجرد خطوة إدارية لإنشاء جامعة جديدة، بل كان مشروعًا فكريًا متصلًا برسالة الأردن الهاشمية التاريخية في رعاية الإسلام الوسطي وإحياء المعرفة الشرعية، ولذلك أصبحت الجامعة في حقيقتها جامعـة ذات منشأ سيادي، خاضعة لرقابة الدولة كتنظيم وتشريع، ولكن موجَّهة بالفكر والمقصد من الإرادة الملكية.
فالجامعة تعمل أكاديميًا تحت إشراف وزارة التعليم العالي ومجلس التعليم العالي، وتخضع ماليًا لرقابة الأجهزة الحكومية المختصة، إلا أنّ الإدارة العليا ومضلة التوجّه الفكري ترتبطان جذريًا بالرؤية التي أرادها جلالة الملك عند التأسيس، وهي أن يبقى العلماء في الواجهة، والبحث العلمي هو القلب النابض، والفكر الإسلامي المنفتح هو العلامة المميزة.
لكن السؤال الذي يطرحه الواقع اليوم بصوت مرتفع:
هل ما زالت الجامعة تسير بروح المبادرة الملكية كما أرادت في يومها الأول؟
فالمتابع يجد مظهرًا لا يمكن تجاهله، وهو أنّ حضور العلماء والمفكرين تقلص لصالح تمدد الإدارة التنفيذية داخل مفاصل القرار اليومي، وبروز بعض الموظفين المنفذين في مساحة التأثير الأكاديمي، في حين يُشار إلى ابتعاد كثير من الكفاءات العلمية عن المشهد – سواء انسحابًا أو تهميشًا – حتى بدا وكأن الجامعة أصبحت مبنى أكثر منها بيت علم، وملفًا إداريًا أكثر من كونها مشروعًا فكريًا.
وفي ظل هذا التحول تظهر ظاهرة أخرى تستحق التوقف عندها، وهي إنهاء عقود أعضاء هيئة التدريس والموظفين أحيانًا دون مبررات أكاديمية واضحة، بما يثير تساؤلات حول مدى انسجام هذه الممارسات مع منظومة التعليم العالي ومع أهداف مشروع التأسيس. فالعالم الذي يرحل بصمت، أو الموظف الذي يستبدل بآخر دون معايير معلنة، لا يغادر وحده؛ بل تأخذ الجامعة معه جزءًا من خبرتها وتاريخها العلمي.
وهنا يكون السؤال أكثر عمقًا:
هل أصبحت الجامعة تُدار اليوم بعقلية موظفين أكثر من عقلية علماء؟
وهل إجراءات إنهاء العقود دون سبب معلن – إن وجدت – تعزز جودة التعليم أم تهدد استقراره؟
وكيف يمكن لمؤسسة صُممت لتكون منبرًا عالميًا أن تحقق رسالتها في غياب العلماء أو ضبابية العدالة الوظيفية؟
إنّ هذه الأسئلة لا تُطرح للتشكيك، بل للاستنهاض؛ لأن المشاريع الكبرى لا تنهض إلا حين تراجع نفسها، ولا تستعيد مكانتها إلا حين تستعيد هويتها. وإذا كانت الإرادة الملكية قد أرادت للجامعة أن تكون مركز إشعاع فكري وعلمي عالمي، فإن استعادة العلماء إلى واجهة المشهد وحماية حقوق أهل العلم والموظفين الأكفاء يجب أن يكون خطوة أولى في أي مراجعة إصلاحية جادة.
فالجامعة لم تُنشأ لتكون أروقة إدارية وملفات ورقية…
بل لتكون منبر العلماء قبل مكتب الموظفين، وفضاء الفكر قبل دهاليز الروتين.
فهل تستعيد الجامعة اليوم تلك الروح؟
وهل نرى تنفيذًا حيًا للإرادة الملكية من جديد؟
السؤال مطروح… والإجابة بيد من يملك القرار والرؤية.