أثار قرار مجلس الوزراء بإيقاف إلزامية إنهاء خدمات الموظفين ممن بلغت خدمتهم ثلاثين عاماً أو اشتراكاتهم في الضمان الاجتماعي (360) اشتراكاً، جدلاً مشروعاً في الشارع الأردني، وهو جدل لا ينطلق من التشكيك بالنيات، بل من القلق على العدالة الوظيفية ومستقبل الشباب والدولة معاً.

فهذا القرار، وإن جاء تحت عنوان المرونة الإدارية والحفاظ على الخبرات، يعيدنا عملياً إلى مربع الانتقائية والمحاباة؛ حيث يصبح التمديد خاضعاً للأمزجة والاجتهادات الشخصية: نمدد لفلان ونُنهي خدمة علّان، رغم أن الجميع يعلم بوجود تضخم واضح في الجهاز الحكومي واختلال في توزيع الموارد البشرية. إن إعادة الصلاحية دون معايير صارمة وشفافة تفتح الباب لاجتهادات غير عادلة، وتُضعف ثقة المواطن بمبدأ تكافؤ الفرص.

الأخطر من ذلك، أن هذا القرار ينعكس سلباً وبشكل مباشر على الشباب الأردني، الذين يقفون اليوم على أبواب مغلقة، يحملون شهاداتهم وطموحاتهم وينتظرون فرصة عمل كريم. فكل وظيفة يُمدَّد شغلها بعد استحقاق التقاعد، هي فرصة تُسحب من شاب أو شابة، في وقت تعاني فيه البلاد من نسب بطالة مرتفعة بين خريجي الجامعات.

ويبرز هنا سؤال جوهري لا يمكن تجاهله:

لماذا نتمسك بموظف أُحيل إلى التقاعد، ثم نُمدد له ليجمع بين راتب تقاعدي وراتب وظيفي في آنٍ واحد؟

هذا الواقع لا ينسجم مع العدالة الاجتماعية، ولا مع مبدأ ضبط النفقات، ولا مع الإحساس العام بالإنصاف، بل يكرّس فجوة مؤلمة بين الأجيال ويغذّي الشعور بالإقصاء لدى الشباب.

الإصلاح الحقيقي – برأيي – يبدأ من إنهاء جميع أشكال الجمع بين راتبين دون استثناء. فمن يتقاضى راتباً تقاعدياً، عليه أن يفسح المجال لغيره، لا سيما من جيل الشباب. ويجب أن يطبَّق هذا المبدأ على الجميع: وظائف عليا ودنيا، وزارات ومؤسسات وجامعات وهيئات مستقلة، لأن العدالة لا تُجزَّأ، والإصلاح لا يُفصَّل على مقاس أشخاص.

أما الحفاظ على الخبرات، فلا يكون عبر التمديد الدائم، بل من خلال نقل المعرفة، والاستفادة الاستشارية، وبناء الصف الثاني، وتمكين الكفاءات الجديدة. فالدولة القوية ليست تلك التي تُؤجّل التغيير، بل التي تُحسن إدارته.

إن الموازنة بين الخبرة والتجديد ليست خياراً، بل ضرورة وطنية. وبين الوفاء لمن خدموا الدولة، والإنصاف لجيل ينتظر دوره، يجب أن يكون القرار واضحاً، عادلاً، وشجاعاً.