في ذكرى ميلاد الحسين: نستلهمك أيها الباني لـ .. الأمير الحسن بن طلال
15-11-2009 06:02 AM
** بناء القوة العربية الذاتية هو طريق النجاح في المواجهة والصمود. والقوة التي نحتاج قوة شاملة تستند إلى البناء في كلّ ميدان
رحم الله الحسين الباني؛ فقد كان مَعيناً لا ينضب من الحكمة والإنسانية. وما تزال روحه الطهور ترفرف في الوجدان والعقل والفؤاد. أفتقدك أيها الأخ والملهم والأب الحاني للأمة جمعاء. أنت الذي لم تكفّ يوماً عن حثّنا على البناء بكلّ معانيه. ألم تقل ذات مرة: "إن بناء القوة العربية الذاتية هو طريق النجاح في المواجهة والصمود. والقوة التي نحتاج قوة شاملة تستند إلى البناء في كلّ ميدان"؟
نعم! بناء الذات، وبناء الوطن، وبناء الأمة بإرادة لا تلين وإدارة لا تهِن وإيمانٍ عميق تسكن له النفوس في هذه الأيام المباركة التي تدبّ فيها قوافل الحجيج صوب بطاح مكة. إنه بناء الفرد وإطلاق طاقته، وبناء دولة القانون والمؤسسات. أقول هذا وحال أمتنا العربية على ما نعرفه من الفرقة ونزاع الإخوة.
كم كان شامخاً موقف الحسين في قمة الوفاق والاتفاق! وكم كانت الآمال عريضة حين وقّع الإخوة اليمنيون وثيقة العهد والاتفاق في عمّان عام 1994 تحت عين الحسين الساهرة وحدبه الدافئ! لنذكر دوماً معنى العهد وما يضيئه من قيم الوفاء والانتماء؛ "فلا عهد لمن ليس له عهد!"، كما قال يوماً كامل مروّة رحمه الله.
نتفكّر هذه الأيام في محنة اليمن الغالي، وفي الدروس المستقاة من تجربته الغنية عبر السنين. وأولها أن الحرب أو العنف عموماً لا يحلّ أيّ مشكلةٍ في كلّ زمانٍ ومكان؛ بل إنه يراكم جروحاً فوق جروح، وثأراً فوق ثأر، ودماً فوق دم. فالخلافات السياسية إنْ هيَ إلا تباينات في الاجتهاد؛ ولا يمكن التصدّي لها إلا بالحوار الندّيّ الناضج. والمفهوم ضمناً هنا أن مرجعية الفرقاء المتحاورين هي القانون الذي يكفل حقوق المواطن والمواطَنَة، والذي يشكّل الأساس في بناء الدولة. ها هو المنطلق للاستقرار والأمن الصلب والأمن الإنساني؛ وها هو الضامن للواجبات والحقوق والراعي لمصالح البلاد والعباد. فحيث لا قانون تهيمن القوة الغاشمة، وتسود القبلية والجاهلية، وتتآكل أسس الدولة وأعمدتها.
الحوار الوطني الجاد، إذاً، هو الوسيلة الوحيدة للوفاق والاتفاق. الحوار بين الإخوة في الوطن الواحد قبل الحوار مع الآخر. الحوار بين أتباع المذاهب: في اليمن، والعراق الذي يتأهب لانتخاباته الوشيكة، والسودان، والقرن الإفريقي، وحوض البحر الأحمر بأسره. فكفانا لَبننةً وصَوملةً وعَرقنةً!
إنّ الحاجة ملحّة لما يُسمّى الآن في العَلاقات الدوليّة "المسؤوليّة للحماية"؛ بمعنى مسؤوليات الدولة نحو أبنائها، ومسؤولية المجتمع الدولي حين تخفق دولة ما في النهوض بواجباتها نحو مواطنيها. وهذا مفهوم قيد التطوير المستمرّ دولياً؛ وله أبعاد مترامية.
نخشى على وَحدة اليمن العزيز في وقتٍ نرى فيه زيادةً متناميةً في عدد الدول المستقلة؛ مثلاً كوسوفو وسواها. ففي حين تحتفي أوروبا بالذكرى العشرين لانهيار جدار برلين، نتبارى نحن العربَ في إعلاء الجدران الفاصلة بيننا. والأشد مضاضةً تلك الجدران العازلة في العقول والقلوب.
أإلى هذا الحدّ تَعافُ نفوسنا الالتئام في البيت الواحد؟ فليكن، إذاً، الاستقلال المتكافل الذي من شأنه أن يُفضي بنا إلى "الولايات العربية المتحدة". هذه الولايات التي سوف تكون دولها – صغيرها وكبيرها – متكافئة تماماً في الحقوق والواجبات؛ فلا مُسيطِرَ ولا مُسَيْطَرَ عليه.
نستذكر الحسين، ونستذكر الجَدّ المؤسس؛ فتنتشي الروح بذاك الوقار المَهيب الذي اتّسما به ووَسَما به مُواطنَنا. إنها كرامة إنساننا ووقاره أولاً وثانياً وثالثاً. أفلا يحْفزنا ذلك للحديث عن أنسنة "النظام العربي"؟ فليس السؤال المحوري هو "النظام العربي... إلى أين؟"؛ بل الأجدى أن نسأل: "كيف نُؤنسنُ نظامنا العربي؟"، بالرغم من كلّ المثبطات والمعيقات!
مرة أخرى، رحم الله الحسين رحمة واسعة؛ وهو القائل: "إننا لنتطلع إلى يومٍ تصبح فيه أمتنا العربية على صعيد واحد أو متقارب مع الأمم المتقدمة: تأخذ منها وتُعطيها؛ ويصبح عِلمُنا – مع علومها – روافدَ تصبّ في مجرى هذا النهر العظيم، نهر الحضارة الإنسانية".
الغد