عمون - كلمة "Hymen" في اللغة اليونانية القديمة تعني غشاء جلدي رقيق يغطي فتحة المهبل بشكل جزئي ليسمح بخروج دم الحيض، وهذا الغشاء يلعب دوراً هاماً في الحياة البشرية منذ القرون الوسطى، وفي مجتمعاتنا الشرقية العربية والإسلامية يتربع هذا الغشاء على أولويات تفكيرنا وعقول شبابنا وشاباتنا، بل ويحدد مصير حياتهم ومستقبل سعادتهم أحياناً، وقد يكون سبباً لنهاية حياة البعض بل وأصبح شرف العائلة مرتبطاً به ارتباطاً وثيقاً باعتباره دليل على عفة الفتاة وعذريتها .
وهنا وبهذه السطور اتجرأ للكتابة عنه كوني طبيب نسائية وعلى دراية طبية تامة به نظراً لطبيعة عملي التي تتطلب مني مقابلته في حالات مختلفة، وبهذا المقال سأوضح بعض الأمور المبهمة لدى البعض والتي يترتب عليها أبعاد نفسية واجتماعية كثيرة في مجتمعنا المحافظ.
فهذا الغشاء لا يغلق المهبل كليـاً كما هو شائع لدى البعض، وطبيعته تختلف من فتاة لأخرى حيث ان له عدة أنواع منها الأنسجة المترامية على أطراف المهبل والتي ربما ترتبط بعضاً ببعض أو غير ذلك، وهناك أنواع أخرى بثقوب متعددة أو حتى ثقب كبير، أما الغشاء الذي يغلق المهبل بشكل كامل فهو تشوه خلقي "Gynatresy" وهنا لابد من التدخل الجراحي من قبل أخصائي الأمراض النسائية لإحداث ثقب صغير يسمح بتصريف دم الحيض المتراكم داخل الفتاة والذي قد يسبب التهابات وأمراض مختلفة.
ففي مجتمعنا الشرقي يعني هذا الغشاء الكثير لبعض الناس كونه رمز لأنوثة وعذرية الفتـاة قبل الزواج، فمن العادات التي كانت قبل عشرات السنوات الإعلان عن فظ غشاء البكارة في ليلة الزفاف بطرق بدائية ومتعددة، ولحسن الحظ تلاشت هذه العادات في أيامنا هذه، ولكن بقاء بعض العادات حتى الآن يضع هذا الغشاء من أولويات ومتطلبات الشاب ومصدر قلق بالنسبة له ولعائلته نتيجة الفهم الخاطئ لأمور جسمانية ونفسية واجتماعية حوله.
فعذرية الفتاة مرتبطة بهذا الغشاء بشكل كبير ومن الناحية الطبية يمكن ممارسة الجنس بعد الزواج دون تمزيقه، وقد شاهدت بأم عيني سيدات أثناء الولادة بغشاء عادي غير ممزق وتم ازالته أثناء عملية الولادة، أي أن العذرية غير مرتبطة بغشاء البكارة من الناحية الطبية مطلقاً .
ومن جانبٍ آخر فقد لا يقتصر تمزق الغشاء على الاتصال الجنسي بالرجل، وهناك حالات متعددة تم تمزق غشاء البكارة بها دون ممارسة الجنس فعلى سبيل المثال لا الحصر ممارسة بعض أنواع الرياضة شديدة الجهد أو استخدام أنواع معينة من الملابس أو ممارسة العادة السرية لدى الفتيات أو وقوع حادث أدى إلى إصابات المنطقة بما فيها غشاء البكارة.
ما يقلقني في هذا الشأن هو أن غشاء البكارة ولّد ازدواجية في المعايير لدى الشاب العربي في مجتمعنا، فإذا تزوج بأجنبية لا يُبالي بوجود أو عدم وجود الغشاء، أما في حال تزوج من فتاة عربية يصبح هذا الغشاء محور العلاقة ويحدد مصيرها.
كما نشاهد أيضاً محاولة بعض الزملاء الأطباء مساعدة الفتاة التي تعرضت لتمزق الغشاء قبل الزواج باستخدام أساليب جراحية مختلفة لرتق التمزقات الموجودة بالغشاء أو إصلاحه، ليتسنى لها الظهور أمام الشاب وعائلته والمجتمع بعذريتها مما يجعل الطبيب هنا جزء من عملية خداع لا داعي لها.
أما من الناحية القانونية فمن الضروري تطوير قوانين واضحة لحماية المرأة من الاضطهاد والعنف الجسدي والعزل الاجتماعي للشابات بخصوص المشاكل المتعددة والمرتبطة بمشكلة غشاء البكارة، كما أن الوعي الاجتماعي وأنانية الشباب، ومناقشة هذه الأمور بشكل شبه علني وتدخلات العائلة يجعل الأمور اكثر تعقيداً، لذا ينقصنا هنا الشفافية في طرح هذه المسألة الهامة، و الوعي الاجتماعي ومراجعة أهل المعرفة فيما يخص هذا الأمر، والابتعاد عن تقاليد العصور الحجرية البالیة التي عفا عليها الزمن في التعامل مع هذه المسألة، كما ينقصنا الاهتمام من قبل مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في توعية الناس وحماية المرأة