عمون – محمد الخوالدة - كان وحيد امه التي لم يترك لها المرحوم زوجها الا هذا الوحيد وبعض ارث مادي بسيط ومساحة من ارض زراعية وبيت كاف لستر الحال ، مقومات هي كل "ذخرة " العمر، رفض الوحيد لسنوات اصرار امه على تزويجه ، هي مصرة ان ترى اولاده - كماهي تقاليد مجتمعنا الريفي وعاداته - وبحسب التعبير الشعبي السائد "يتنططون" حولها ولتكحل عينيها برؤيتهم قبل ان يحين الاجل ، وهو يخشى في سره – وكانه كان يقرأ الغيب - ان تحدث "بنت الحلال" بينه وبين امه امرا لايروق.
تحفظ الوحيد طويلا على فكرة الزواج ، رضخ تحت اصرار الام والحاحها المغلف برجاء ، ترك لها ان تزوجه الفتاة الاقرب الى رغبتها فكانت ابنة "جيران العمر" (م.م.م) التي عايشتها بحكم الجوار طفلة وشابة ويافعة ، كيسة لبقة ، هكذا عرفتها الام ، اذا (م.م.م) هي الاقدر على اسعاد الوحيد وهي ايضا من تقبل ان يعيش الثلاثة تحت سقف مسكن واحد .
تزوج الوحيد ، قبلت (م.م.م) بكل الاملاءات ، مرت الشهور ، قلبت (م.م.م) ظهر المجن ، يخرج الوحيد الى عمله صباحا ، يعود ظهرا ، الشكاوي الكيدية بحق الام الطيبة السمحة مسلسل يومي ، حاول الوحيد جاهدا افهام الزوجة ان امه "خط احمر" ، تسارعت الاحداث التي ظلت الام بعيدة عن مسرحها كي لايشار لها في هذا الجلل المستجد بالبنان ، ادرك الوحيد ان نصائحه وارشادته تذهب جفاء ، بث همه لاهل الزوجه ، تفهموا الامر، وجهوا ابنتهم ، شددوا عليها القول والفعل ، فكانت تلين حينا وتتصلب احيانا كثيرة .
استنفذ الوحيد كل مايمكن من جهد لتعدل الزوجة موقفها ، عصى الامر عليه ، كان لابد لهذا الامر من نهاية ولو بابغض الحلال ، حالة رفضت الام الحريصة على اسعاد وحيدها حتى مجرد طرحها للنقاش ، كما سبق ورجت الام وحيدها بالزواج رجته مجددا ان "يعيش حياته" في بيت مستقل ، امتننع الوحيد ، واصلت الام الاصرارفكان لها ما ارادت .
انتقل الوحيد بزوجته الى حي اخر ، مراكثر من عام ، فترة ادام الوحيد خلالها تواصله اليومي مع امه ، حدث بعدها مالم يكن بحسبان ، فعل الكيد فعلته ، تقلصت فترات مواعيد التواصل مع الام ، في الاسبوع مرة ، ثم في الشهر مرة ، شهور قرر بعدها الوحيد الذي انجب مولودة انثى وباملاءات الزوجه الارتحال الى العقبة حيث اسباب الرزق كما ادعى اوسع ، فكرة لم ترق للام التي لم يُذهب عقوق الوحيد من قلبها حنو الامومة وعظمتها ، لم يستجب لمناشدات الاقارب والاصدقا ، نفذ رغبته ، هي بالتاكيد املاءات الزوجه والام اخر من يعلم ، غادر بلدته ، سكن العقبة ، مر شهر ، قهر وغم ، نوبة قلبية ، ام الوحيد في غرفة العناية الحثيثة في المستشفى مابين الحياة والموت .
لم تستطع الزوجة رغم كل الكيد الذي يتملكها وما احدثه من تغيير مشين في سلوك الوحيد ونمط تفكيره ان تلغي معدنه الاصيل ، هلع لنبأ مرض امه ، عاد من فوره الى بلدته، وصل المستشفى ، ، ارتمى على صدرها لثم راسها ، وجهها ، يديها ، فراشها حتى ملاءة السرير.
لم يلغ نبض الحياة الباهت في جسدها المنهك مشاعر الامومة ، احست صوته وانينه ، بصعوبة فتحت عينيها ، نظرت اليه ، تمتمة غير مدركة لكنها بمعنى مسامحة نبس بها لسان مثقل وشفتان يابستان فهو قلب الام المفعم دائما حبا وتسامحا ، ذرفت بقية من دمع ، اغمضت عينيها ، فاضت الروح ، بكى الوحيد بحرقة ، ارتمى مجددا فوق الجسد المسجى وهو يكرر ، سامحيني ، سامحيني ، لن اعود اليها .