لاتستغربون ان وصلنا في النتائج والتطبيق لقانون من اين لك هذا الى هذه النتيجة.

قبل اكثر من ثلاثة عقود كان الكلام في هذا الموضوع محرماً تحريماً ولا يجوز التطرق اليه، وقبل عقدين تقريبا او اكثر بقليل ونتيجة ديمقراطية عام 1989 بالتحديد اصبح الكلام مسموحاً فقط وان نصل الى التشريع محرماً.

في مشمشية ديمقراطية 1989 وامام ضغط نيابي في ذلك الوقت أعد مشروع قانون من هذا القبيل، وعندما وصل من النواب الى الاعيان وضع في الادراج واغلق الاعيان في ذلك الوقت ذلك الملف.

وبين فترة واخرى كان الاعلام والاحزاب والفعاليات الوطنية تطالب بأن يرى ما وضع في ادراج الاعيان النور، ولكن عتمة الاعيان كانت اهم وهي الطاغية على المشهد الاردني، فالاعيان كان صمام أمان لاي شيء يطالب به الناس، باعتبارهم هم اصحاب الرأي الذي لا رأي بعده، فهم المصفاة التي يجب ان يخرج منها المكرر.

أذكر بعد النصف الثاني من التسعينات رتبت لعقد ندوة تتناول القانون الحبيس لدى اعيان الامة مشروع قانون من اين لك هذا، ولدى بحثي في مجلس الامة عن مسودة القانون الذي أعد، علم احدهم بنيتني عقد الندوة المذكورة، فكان الرد انني اقترب من المحرمات، فطلب مني الغاء الندوة حول قانون من اين لك هذا على اعتبار انه لايجوز طرح هذا الموضوع ولا يحق لك التحدث عنه، ولانني لست صاحب القرار والذي لا زال لا أملكه في الصحافة لغاية الآن كان لهم هذا.

الآن وبعيداً عن الماضي وتفاعلا مع الحاضر وبالنظر للمستقبل، فان من كانوا يمانعون في وجود قانون من اين لك هذا اصبحوا لا يمانعون في وجوده، بل ان البعض يطالب به لأنهم ادركوا أن المطلوب حاليا هو تبرئة مساحة الاتهام من خلال هذا القانون ليقولوا لنا ان ما وصلوا اليه هو بحهدهم وحر مالهم.

القصور الفارهة المنتشرة في روابي وضواحي عمان الفاخرة لم يكن لوظائفهم اي دور فيها على اعتبار انهم كانوا يعملون بالتجارة، ولم يكونوا في يوم من الايام موظفين مع ان غالبيتهم ان لم يكن كلهم لم يعيشوا خارج الوظيفة يوم واحد باستثناء اجازات قد لا تتعدى عدة اشهر ثم يعودون.

مخطىء من يعتقد بوجود قانون او غير قانون ان موظفين يعيشون حياة رفاهية لا يعيشها الى اصحاب الملايين ويعملون بالوظيفة قد اتاهم المال بغتة أو ان لهم جهدا حقق لهم ثرواتهم الا من خلال وظائفهم واستغلالهم للوظيفة.
هناك من تولى المسؤولية العليا في الدولة اي اصبح وزيراً أو مديراً ولا يزال يعيش في شقة بالايجار، وهناك من يماثله ويعيش في القصور المبنية على المساحات الشاسعة وفي اراضي قد يكون بعضها كانت اراضي خزينة استولوا عليها او قاموا بعقد صفقات من خلال الوظائف لتحقيق مكاسب على حساب الوطن والمواطن.

انهم يطالبون الآن بمثل هذا القانون ليشرعنوا ثرواتهم من خلاله لأنهم يعرفون ان اياديهم طائلة وقادرة على قلب الحقائق، فهم يحتكرون الحقائق المزورة ولا يوجد هناك ايادي تطالبهم طالما ان اياديهم لا تزال هي العليا.
هم يخافون من المستقبل ويسعون للحماية القانونية لهم من المجهول، وقانون من اين لك هذا هو ملجأ لهم كما يعتقدون وليس محاسبة لهم كما نعتقد ليصلوا في النهاية الى قانون يحقق لهم مقولة هذا من فضل ربي، ومن خلاله يغلقون ملفاتهم ويبرؤون ساحاتهم.. فالقانون اصبح مطلباً لهم اكثر مما هو مطلب لمن يحاربون الفساد.