تركّز واشنطن على مذبحة الأرمن ، وتطالب تركيا بالاعتراف بها ، حتى لو أنّ أكثر من قرن من الزمان مرّ عليها ، ولكنّ واشنطن لا ترى في احتلال فلسطين ، وتهجير شعب بأكمله في أنحاء الأرض مذبحة جديرة بالاعتراف ، ولا ترى في احتلالها للعراق ، وقتل وتشريد أبنائه المستمر حتى إشعار آخر ، مذبحة جديرة بالمناقشة. وفي عصر النفاق الدولي الواضح تمرّ هذه المسائل مرور الكرام ، بل ويتمّ التعامل معها باعتبارها حقيقة ثابتة ، فمنطق القوّة هو الذي يحكم كلّ شيء ، حتى العقول وما فيها ، والتزوير لا يمكن أن يملك حدوداً ، والانتقائية عنوان كلّ شيء.

وفي العام م1915 ارتكبت الدولة العثمانية تلك المذبحة ، وفي أجواء الحرب العالمية الأولى ، وكانت مذبحة تاريخية بشعة ، ولكنّ واشنطن ، وفي الحرب العالمية الثانية سجّلت أكبر وأبشع جريمة في التاريخ ، حيث ألقت القنبلتين النوويتين على اليابان ، وترفض الولايات المتحدة الاعتذار ، ولكنّها تطالب تركيا التي تملك نظاماً سياسياً مختلفاً بالاعتذار.

كلّ المذابح بشعة ، وكلّ المجرمين مجرمون ، وأوّلهم هذا النظام الأميركي الذي ما زال يرتكب المذابح يومياً ، في غير مكان في العالم ، ومع ذلك فهو يطالب بتعميم الأخلاق على الكرة الأرضية.