التقرير «الصدمة» .. انتهاكات ووريت خلف الجدران
31-05-2012 07:52 PM
عمون - كتب - راكان السعايدة - أربعة عشر يوما من التحقيق والتقييم لأوضاع مراكز رعاية ذوي الإعاقة، كشفت عن عالم ووري خلف الجدران وبعيدا عن الأضواء، لا معايير ولا رقابة..
هكذا بقي المعاقون في غياهب الجب، إلى أن علق تحقيق صحفي «الجرس» فجاءت غضبة جلالة الملك عبدالله الثاني حدا فاصلا بين بؤس إدارة شؤون المعوقين وأمل بتغير الحال.
وما هي إلاّ ساعات على زيارة الملك لأحد المراكز وأمره بالتحقيق والتقييم حتى شكل وزير التنمية الاجتماعية وجيه العزايزة لجنة تحقيق يرأسها أحد موظفيه.
ليستدرك الوزير لاحقا أن حيادية اللجنة تعني إخراج موظفه منها، فكان ذلك، وكلف الدكتور محي الدين توق برئاسة اللجنة ليشرع وفريقه من فورهم بالتحقيق على عدة مستويات، التفتيش والتحقيق في المراكز، تلقي الشكاوى والتحقيق مع موظفين في «التنمية الاجتماعية» والمجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين.
لجنة التحقيق الرئيسية ولجانها الفرعية الثلاث وضعت اليد على ملفات المراكز، والفرق الميدانية المتخصصة تداهم المراكز تحقيقا وتقييما، مسنودة بأطباء من الطب الشرعي وضباط من إدارة حماية الإسرة، وفنيين من مؤسسات مجتمع مدني خبيرة.
ومنذ اليوم الأول لعمليات التحقيق والتقييم، بدت آثار الصدمة على أعضاء اللجنة الرئيسية والفرق الميدانية التي عملت تحت إشرافهم، فالانتهاكات أشكال ألوان، والإهمال حاضر في كل الزوايا، والرقابة غائبة حينا ومغيبة أحيانا، والبنية التحتية، يمكن أن تتهالك على رؤوس المنتفعين في بعض المراكز بأي وقت.
حال محققي الميدان، ليس أفضل حالا ممن تولوا التدقيق في ملفات المراكز ووثائق الدوائر المعنية في وزارة التنمية الاجتماعية والمجلس الأعلى. أوراق تحوي إنذارات لمراكز تبخرت، ومعايير مكانها التجميد لا التفعيل فمكثت تندب حظها على الأرفف، وأنظمة لم توضع منذ سنوات.
ملفات المراكز الملتبسة في محتواها بلغت في بعض كوارثها أن مركزا للمعاقين قيمه المجلس الأعلى العام الماضي وكاد لفرط حماسه أن يصفه بجنة المعاقين على الأرض فوجدته لجنة التحقيق أشبه بالجحيم.
ولحجم الانتهاكات والتجاوزات، كانت توصي لجنة التحقيق يوميا بإغلاق مراكز وإنذار أخرى، وتحويل مشتكى عليهم إلى القضاء.. وحتى هذه التوصيات كان تصطدم أحيانا بالبيرقراطية الإدارية وقصور القوانين والتعليمات.
أكثر من ذلك، إنذرات يوصي بها مفتشون تتحول بفعل رأي مسؤول كبير إلى مجرد رسالة تطلب تصويب الخلل، وتغض الطرف عن الإنذار.. ليكشف هذا الواقع أن خللا ضخما في بنية جهاز «التنمية الاجتماعية» المسؤول عن ملف المعاقين، وبلغ الأمر أن الموظفين الذين استدعتهم اللجنة تذاكوا على اللجنة بالتنصل من المسؤولية وتحميلها لغيرهم.
والأكثر غرابة أن جدول الزيارات التي يفترض أن تكون فجائية للمراكز توضع بداية كل شهر تمر على عشرات الموظفين لتستقر في النهاية عند المراكز التي تتحضر لزيارات التفتيش وتستقبلها باحتفالية.. فلا المفتش يفتش ولا المركز قلق.
وبلغت الجرأة ببعض المراكز التي أُغلقت أو أنذرت أن ارسلت الجهات إلى الوزارة للضغط على اللجنة لإعادة فتحها، فلا الوزير قبل ولا اللجنة استعدت لاستقبالهم. وبعض المسؤولين المتورطين في سوء إدارة الملف «نبشوا» حول أعضاء في اللجنة لعلهم يجدون مدخلا يؤثر في مواقفهم.
لماذا كل ذلك وقع؟ ومن المسؤول؟
هذان السؤالان سيطرا على تفكير لجنة التحقيق والتقييم طيلة فترة عملها، مدققة في كل القوانين والوثائق وفحصت كل المعلومات والشكاوى التي تحصلت عليها، وأمضت ساعات طويلة في الاستماع لمنتفعين من ذوي الإعاقة وذويهم، سرا وعلنا.
والمحصلة، أن الخلل الإداري وضعفه والقصور التشريعي وتداخله والعجز المالي مسائل اساسية أوصلت قطاع رعاية المعاقين إلى أسوأ حال.
إذ أن العلاقة بين المجلس الأعلى المظلة القانونية لشؤون المعاقين، ووزارة التنمية الاجتماعية لم تكن سوية، بل أن الصراع بين موظفي الجهتين كان واضحا جليا في تقارير التفتيش المتناقضة والمتباينة.
هذا عدا عن التدخلات التي كشف عنها بعض من موظفي التنمية الاجتماعية من قبل مسؤولين في المجلس الأعلى في بعض قضايا المراكز.. فضلا عن مزاعم واتهامات بتلقي رشاوى لقاء غض الطرف عن تجاوزات موظفين طلبت لجنة التحقيق وزير التنمية الاجتماعية التحقيق بها وإحالة ملفها، إن ثبتت، إلى الإدعاء العام.
ومن الإشكاليات الأخرى أن حظ المعاقين العاثر لم يقيض لهم مشرفين ومشرفات مؤهلين تأهيلا عمليا وتدريبيا مناسبا، فنظام الدور في ديوان الخدمة المدنية والواساطات، نيابية في أغلبها، أدت إلى دفع موظفين إلى المراكز الحكومية لا سوية مهنية مناسبة عندهم.
وحتى في المراكز الخاصة ذات السوء، بل ما صدم فرق التفتيش أن عاملين وافدين يتولون الإشراف على الأشخاص ذوي الإعاقة.. ولا أقل من ذلك غياب الرعاية الطبية والصحية، وإنعدام التشخيص الدقيق لطبيعة الإعاقات، بل وحتى معايير الترخيص للمراكز حبر على ورق.
أيضا، غياب الرقابة والإشراف المنهجي والعلمي، والمعد له بدقة وعناية، وأحيانا المصالح والمكاسب، إلى جانب الشلل الإداري وتعدد المرجعيات كلها عوامل أدت إلى تدهور أوضاع مراكز المعاقين، وزاد تدهورها عجز مالي في المراكز الحكومية، وشجع في بعض المراكز الخاص، قاعدتها الربح الكثير في الإنفاق القليل والعمل بالحد الأدنى من الكوادر والتجهيزات.
إن تقرير لجنة التحقيق والتقييم، أكثر من كاف، لإعادة تقييم السياسات والآليات المتبعة في التعامل مع ملف المعاقين، وكذلك تقييم الكوادر ذاتها ومؤهلاتها وحتى أخلاقياتها لضمان نقل واقع المعاقين من حال إلى حال أفضل.
الوزير العزايزة، أعلن بكل شجاعة، في المؤتمر الصحفي، مسؤوليته الأدبية وقدم اعتذاره لذوي الإعاقة وذويهم، وهو كما يقول منهمك في ترجمة تقرير اللجنة إلى واقع ملموس.. فهل تعلن الجهات المسؤولة الأخرى مسؤوليتها؟.
(الرأي)